القانون الجنائي والتعديلات المتضمنة بمسودة مشروعه الجزء الثاني



الفقرة الرابعة :تجريم تبديد الأموال بسوء نية قصد التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة أو السكنى أو المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية أو اقتسام الممتلكات (المادة 1 ـ 526) من المسودة

ترتب الآثار المترتبة على عقد الزواج مجموعة من الحقوق والواجبات تتجاوز المساكنة الشرعية إلى التعامل بالمعروف حفاظا على أواصر العلاقة الزوجية المقدسة، فمؤسسة الزواج وما ينشئ عنها من تصرفات ينبغي أن تبقى بمنأى عن كل سلوك من شأنه الإضرار بالزوج الآخر أو الأبناء خصوصا فيما يتعلق بالأعباء المادية التي يجب أن يتشاطرها الأزواج أو أن يتحملها من هو أهل لها، والتي تعتبر عصب الأسرة وضمانا لاستمراريتها واستمرار أدوارها في التربية والتأهيل لأجيال الغد.
وسعيا لتكريس قاعدة حسن النية بين الأزواج وتحمل الأعباء المالية لما تقتضيه المصلحة الفضلى لكل أفراد الأسرة، ودفعا لكل سلوك قد يضر بالذمة المالية للزوج الآخر والأبناء، جرمت مسودة مشروع القانون الجنائي تبديد أو تفويت أحد الأزواج أمواله بسوء نية بقصد الإضرار بالزوج الآخر أو الأبناء أو التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة أو السكن أو المستحقات المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية واقتسام الممتلكات، وعاقب على ذلك بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
يظهر أن المسودة أرادت تحصين المركز الحالي للطرف الضعيف الذي أصبح دائنا للزوج الآخر الذي يصبح في حكم المدين، هذا الأخير الذي يجب عليه أن يقوم بواجبه في الوفاء بالالتزامات المترتبة في ذمته الناشئة عن آداء واجب النفقة أو السكن، والمستحقات الأخرى المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية، أو المبالغ المترتبة عن اقتسام الممتلكات.
فهذا التوجه الذي كرسته المسودة من شأنه توفير الحماية القانونية للمركز الحالي للزوج المدعي خصوصا الزوجة والأبناء الذين قد يتواجدون في موقف ضعيف، والتعامل بنقيض القصد مع الطرف الذي يقوم بتفويت أو تبديد أمواله بسوء نية قصد الإضرار بهم.
فإذا كان تبديد الأموال أو تفويتها بسوء نية بقصد الإضرار من المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة ويتعين إثباتها، فإن العقوبة المقررة في المسودة فضلا عن التخيير في الأخذ بالعقوبة الحبسية أو الغرامة فقط غير كفيلة بتحقيق الردع بالنظر إلى حجم الأضرار التي قد تلحق المرأة وأبناءها القاصرين جراء ذلك، وتعرضهم للإهمال والتشرد وما ينتج عن ذلك من أمراض اجتماعية تؤدي إلى تفكك العائلة.
فضلا عن ذلك، فإن حصر المسودة إجراء المتابعة بناء على شكاية الزوج المتضرر من الجريمة، قد يخالف القواعد العامة سيما وأن واجب النفقة كما حددتها مدونة الأسرة ينشأ عن الزوجية كما ينشأ عن القرابة (البنوة ـ الأبوة) والإلتزام وبالتالي كان حريا بالمشرع إدخال كل من له الحق في المطالبة بها في مقتضيات المراجعة الجديدة، ناهيك على أن الآثار المترتبة عن نفقة الأبناء لا يمكن التساؤل بشأنها أو التنازل عنها، وبالتالي من حق هؤلاء التقدم بشكاية في مواجهة من بدد حقوقهم بتفويت أمواله بسوء نية قصد الإضرار بهم وإن لم يبلغوا سن الرشد القانوني، وأن لا يبدأ سريان أجل التقادم الجنحي في حقهم إلا بعد بلوغهم سن الرشد الذي هو سن 18 سنة شمسية كاملة.
إن القاعدة القانونية لا ترتب آثارها إلا بإحاطتها بالواقعة بأكملها، وأن الأخذ بعين الإعتبار كل المتضررين من تبديد أو تفويت الأموال بسوء نية قصد الإضرار بهم من الأزواج والأبناء والآباء وكل من له حق نفقة بناء على التزام أولى حماية لمراكزه المالية.

الفقرة الخامسة :جريمة الترك العمدي لبيت الزوجية أو بيت الأسرة المواد 479 ـ 482 من المسودة.

عاقبت مسودة مشروع القانون الجنائي بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين :
ـ أحد الزوجين الذي يترك عمدا ولأكثر من أربعة أشهر دون موجب قاهر زوجه، مخلا بواجباته الزوجية؛
ـ إذا كان ضحية الإهمال امرأة حامل تكون العقوبة هي الحبس من 3 أشهر إلى سنة وغرامة من 2000 إلى 1000 درهم.
ـ الأب أو الأم إذا ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة.
ولا ينقطع أحد الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية.
يلاحظ أن المشرع أبقى على تجريم الترك العمدي لبيت الزوجية وبيت الأسرة، وراجع العقوبة الحبسية في الحالة الأولى بجعلها من شهر واحد إلى ستة أشهر، ورفع الغرامة من 2000 إلى 5000 درهم، وكذا رفع هذه الغرامة من 3 أشهر إلى ستة وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم إذا كانت الضحية امرأة حامل.
وقد فرقت المسودة بين الإهمال الزوجي وهي الحالة التي يترك فيها أحد الأزواج الآخر عمدا لأكثر من أربعة أشهر دون موجب قاهر، حيث اعتبرته إخلالا بالواجبات الزوجية التي تزداد خطورته في حالة وجود الزوجة الحامل، وبين الإهمال الأسري الذي تفرضه علاقة الأبوة أو الأمومة وما يترتب عليها من تعهد ورعاية الأبناء، خصوصا إذا كانوا في سنوات عمرهم الأولى وما يتطلب ذلك من عناية خاصة، فالتملص من كل أو بعض الواجبات المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة لمدة تزيد عن شهرين تثير المساءلة الجنائية وترتب العقوبة المستحقة في حالة ثبوت الجريمة.
وقد اتجهت إرادة المشرع إلى تحصين بيت الزوجية وبيت الأسرة والحيلولة دون الممارسات التي قد تعصف باستمرار الحياة الطبيعية للأسرة واعتبر كل ترك على نحو ما فصلناه أعلاه يستحق الزجر والعقاب مع تحديد مدة ترك بيت الزوجية لأكثر من أربعة أشهر وبيت الأسرة لأزيد من شهرين.
غير أن العقوبة المقررة في حالة ترك بيت الأسرة وجعل الأبناء عرضة للإهمال يجب التشدد بشأنها إسوة بالزوجة الحامل وتماشيا مع فلسفة المسودة في حماية المراكز القانونية للأطفال القاصرين، لأن العقوبة المقررة لا ترقى إلى توفير أسباب أمن هؤلاء الأطفال الذين يكونون في حاجة ماسة إلى الرعاية والتنشئة السليمة، ناهيك عن حق المجتمع في تأهيل أفراده منذ الصغر أو أي إهمال قد يؤثر سلبا على مستقبل الأجيال الصاعدة.

الفقرة السادسة: جريمة الخيانة الزوجية المادة 492 و497 من المسودة

لقيام جريمة الخيانة الزوجية يشترط أن يكون الطرفان معا أو أحدهما على الأقل متزوجا وأن تكون العلاقة الزوجية قائمة، وعاقبت المسودة على ذلك من سنة إلى سنتين وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية.
وقد جاءت المراجعة الجديدة في مسودة المشروع بمجموعة من المقتضيات الجديدة تتمثل فيما يلي
ـ إضافة الغرامة إلى العقوبة الحبسية؛
ـ غل يد النيابة العامة في تحريك المتابعة إلا بناء على شكاية الزوجة أو الزوج حسب الحالة؛
ـ إذا كان المشارك في الخيانة الزوجية دون سن الثامنة عشر من عمره نصبح أمام جريمة أخرى تتمثل في الإستغلال الجنسي وإفساد الشباب.
وقد حافظت المسودة على بنية النص القديم سواء فيما يتعلق بالعقوبة الحبسية وكيفية تحريك الدعوى العمومية من النيابة العامة والآثار المترتبة عن تنازل الزوج المشتكي وعدم استفادة المشارك من هذا التنازل، مع الاقتصار في الإثبات على حالة التلبس أو الاعتراف القضائي.
وما يمكن ملاحظته هو أنه عندما يكون مشارك الزوجة أو الزوج دون سن الثامنة عشر من عمره، تتحول هذه الجنحة الضبطية إلى جناية ونصبح أمام جناية تتعلق بالاستغلال الجنسي للشباب التي يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 20000 إلى 200000 درهم في حق كل من حرض بأي وسيلة القاصرين دون سن الثامنة عشر على الدعارة أو البغاء وشجعهم عليها أو سهلها لهم بالإحالة الصريحة من المادة 492 في فقرتها الثالثة لمقتضيات المادة 497.
إن الرفع من سقف هذه الجريمة يجعلها جناية من كان أحد أطرافها قاصرا والتشدد في العقاب ضرورة اجتماعية وأخلاقية تروم محاربة إفساد الشباب واستغلالهم جنسيا وحمايتهم من الوقوع في براثين في التحريض على الدعارة أو البغاء أو تشجيعهم عليها أو تسهيلها لهم، وهو توجه سليم يهدف تخليق الحياة العامة ورسم حدود جديدة في التعامل مع هذه الفئة العمرية حيث جاءت مقتضيات المسودة حبلى بالتدابير والاجراءات والعقوبات الصارمة كلما تعلق الأمر بالاعتداء بأي شكل من الأشكال على المركز القانوني للأطفال دون سن الثامنة عشر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم