القانون الجنائي والتعديلات المتضمنة بمسودة مشروعه الجزء الثالث


الفقرة السابعة : تجريم السرقة والنصب وخيانة الأمانة بين الأزواج المواد " 335 ـ 541 ـ 548 من مسودة القانون الجنائي "

جرمت مسودة مشروع القانون الجنائي لأول مرة السرقة بين الأزواج بعد رفع قيود المتابعة والإعفاء من العقوبة الواردة في المادة 534 من القانون الجنائي التي تنص على أنه : " يعفى من العقاب مع التزامه بالعقوبات المدنية السارق في الأحوال الآتية:
1 ـ إذا كان المال المسروق مملوكا لزوجه؛
2 ـ إذا كان المال المسروق مملوكا لأحد فروعه
و بعد مراجعة هذه المادة أضحت صيغتها الحالية في المسودة على الشكل التالي :
" يعفى من العقاب، مع التزامه بالتعويضات المدنية السارق إذا كان المال المسروق مملوكا لأحد فروعه " بناءا على ذلك المشرع لم يعد يقرر أي عذر معفي من العقوبة إذا كان السارق زوجا للضحية، غير أنه لا تجوز متابعته إلا بناء على شكاية الزوج المتضرر، كما قررت المسودة حماية للفاعل بوضع حد للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المنشئ لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره متى تم التنازل عن الشكاية.
بمقتضى المادة 541 من المسودة التي تحيل على مقتضيات المادة 534 منها فإن انتفاء الأعذار المعفية من العقوبة والمساءلة الجنائية تجعل جريمة النصب قائمة في حق الزوج الآخر متى ثبتت في حقه، غير أنه لا تجوز المتابعة إلا بناء على شكاية الضحية المتضرر التي يضع التنازل حدا لها وكذا وكذا لآثار المقرر القضائي المكسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره، ونفس الشيء يسري على جريمة خيانة الأمانة بالإحالة الصريحة من المادة 548 من المسودة على المادتين 534 و535 منها.
هكذا اعتبرت المسودة هذا النوع من الجرائم شأنا داخليا يهم الأزواج على غرار جرائم إهمال الأسرة والخيانة الزوجية، حيث يملكون وحدهم دون غيرهم حق إثارتها لتقديم شكاية في الموضوع وأن تنازلهم يغل يد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ويضع حدا للآثار المترتبة عن المقرر القضائي، كما أن المشاركين والمساهمين مع السارق وكذا مرتكبي جرائم إخفاء المسروقات بين الزوجين يستفيدون من التنازل إذا كان صريحا في حقهم.
انسجاما مع ذلك، جاءت المسودة بمقتضيات جديدة لأول مرة تهم جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة بين الأزواج تتمثل فيما يلي :
ـ تجريم هذه الأفعال متى ارتكبها أحد الأزواج في حق الآخر بعدما كان الإعفاء الوارد في القانون الجنائي الحالي هو سيد الوقف؛
ـ عدم جواز متابعة الفاعل إلا بناء على شكاية من المتضرر؛
ـ التنازل عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره؛
ـ سريان آثار التنازل الصريح إلى المشاركين والمساهمين مع السارق ومرتكبي إخفاء المسروقات لذلك تكون المسودة قد انسجمت مع طبيعة هذه الجرائم المرتكبة بين الأزواج وما قد يترتب عليها من آثار لتحيطها بقيود وإجراءات مهمة ليس من أجل حماية الفاعل فحسب بل مراعاة لمصلحة الأسرة وحماية لأواصر العلاقة الزوجية التي تبقى فوق كل اعتبار.

الفقرة الثامنة : التنصيص على تدبير حمائي جديد للمرأة بعد صدور حكم بالإدانة يمنع المحكوم عليه من الاتصال بها وإخضاعه للعلاج " المادة 1ـ 88 و2 ـ 88 من المسودة

في إطار توفير الحماية للمرأة ضحية التحرش الجنسي، أو الاعتداء، أو الاستغلال الجنسي، أو سوء المعاملة، أو جرائم الاتجار بالبشر نصت مسودة المشروع على تدبير وقائي جديد لمنع المحكوم عليه من الاقتراب والتواصل مع المرأة، ناهيك عن إخضاعه لعلاج نفسي ضمانا لعدم عودته إلى نفس الأفعال الجرمية.
ففي حالة الإدانة من أجل الجرائم المشار إليها أعلاه يمكن للمحكمة إضافة إلى العقوبة المقررة فيحق المتهم، الحكم بأحد التدبيرين التاليين أو بهما معا :
ـ منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها بأي وسيلة لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة المحكوم بها، أو من تاريخ صدور المقرر النهائي إذا كانت العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها موقوفة التنفيذ أو غرامة فقط أو عقوبة بديلة؛
ـ إخضاع المحكوم عليه عند الاقتضاء خلال المدة المشار إليها أعلاه أثناء تنفيذ العقوبة السالبة للحرية لعلاج نفسي ملائم؛ يتضح أن إرادة المشرع في المسودة تتجه إلى الحيلولة دون ممارسة الاعتداءات على المرأة من نفس الشخص والحد من أسباب الانتقام لمحاولة منح المرأة الضحية مناعة لعدم معاودة وإنتاج نفس السلوكات الإجرامية ضدها، لإبعاد ومنع المحكوم عليه من الاتصال بها والاقتراب منها.
غير أن المشرع لم يحدد في هذه الحالة طبيعة المحكوم عليه الذي قد يكون زوجا أو قريبا أو أجنبيا، ولعل التدابير هنا تختلف حسب طبيعة الاعتداء والشخص مرتكبه.
و عموما تروم هذه الفلسفة الجديدة للمسودة معالجة سلوك المحكوم عليه وتقويمه بهدف إعادة إدماجه في بيئته الطبيعية باستئصال أسباب الجريمة الكامنة فيه عن طريق إخضاعه لعلاج نفسي ملائم يعهد لطبيب مختص يتتبع حالة المعني ويعد تقريرا عن ذلك كل 3 أشهر، يتم توجيهه لقاضي تطبيق العقوبات لتتأكد من تقويم سلوكه وتفادي عودته إلى نفس الأفعال التي أدين من أجلها.
وضمانا لجدوى وفعالية العلاج النفسي، فإن المحكوم عليه يخضع له أثناء تنفيذ العقوبة السالبة للحرية في المؤسسة السجنية، حيث يدخل ذلك في إطار التأهيل وإعادة الإدماج لضمان عدم معاودة الخروج عن قواعد الضبط الاجتماعي التي وضعها المشرع، وتثبيت أسباب الأمن والاستقرار الاجتماعيين، ومع ذلك هذان التدبيران الجديدان يرومان تكريس السياسة الجنائية وتوفير أسباب العدالة الحمائية للمرأة متى انتهكت حقوقها، وثم المس بشخصها، خصوصا وأن هذه الجرائم مبنية على أساس النوع الاجتماعي

الفقرة التاسعة : تشديد عقوبة القذف والسب العلني إذا استهدف المرأة بسبب جنسها (المادة 444 من المسودة)

توخيا لملائمة مضامين مسودة القانون الجنائي بالمبادئ التي جاء بها الدستور الجديد بخصوص تقوية الحماية القانونية والقضائية لحقوق الأفراد لاسيما الفئات الهشة (ف 36 من الدستور) ومكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة (ف 19 من الدستور)، تشددت المسودة في المعاقبة على القذف أو السب العلني متى استهدف امرأة بسبب جنسها، حيث يعاقب على هذا النوع من الجرائم إذا ارتكبت في حق باقي الأشخاص بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكن إذا ارتكب القذف أو السب العلني ضد امرأة بسبب جنسها، ترفع العقوبة الحبسية من شهر واحد إلى سنتين والغرامة من 5000 درهم إلى 50000 درهم دون التمييز في الأخذ بإحدى العقوبتين.
فالمسودة تريد القطع مع كل الممارسات التي تسيء إلى المرأة بسبب جنسها مما يشكل انتهاكا لإنسانيتها وحرمة شخصها، سيما بعد المصادقة على اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، وما كرسته ثقافة الدستور من أحكام ومبادئ تروم توفير الحماية للمركز الاختياري للمرأة الذي يجب أن يتمظهر في باقي التشريعات الوطنية وعلى رأسها القانون الجنائي.
و تماشيا مع مبدأ التدرج في تكريس هذا التوجه الجديد وحظر كل أشكال السلوكيات التي تسيء للمرأة عن طريق القذف أو السب العلني، فإن العقوبة الحبسية التي قدرتها المسودة قاسيا شيأ ما ناهيك عن اتساع الفارق بين الحد الأدنى والحد الأقصى للعقوبة للسلطة التقديرية للمحكمة (من شهر إلى سنتين).
كما أن مبلغ الغرامة مبالغ فيها مما يجب إرجاعه إلى الحد المعقول دفعا لكل تكليف من شأنه إثقال كاهل المحكوم عليه وبالتالي عدم قدرته على الوفاء بما في ذمته من غرامة، حيث نتساءل إذا كان الحد الأقصى للغرامة يصل إلى 50000 درهم، فكم ستحصل عليه المرأة من تعويض إذا نصبت نفسها مطالبة بالحق المدني، فلا شك أظن الخزينة العامة في ظل المبالغ المرتفعة للغرامات التي جاءت بها المسودة باتت تزاحم الضحايا، ولكم أن تتخيلوا كيف يمكن للمحكمة أن تحكم بتعويض مدني ترميما للأضرار التي لحقت الضحية يقل عن مبلغ الغرامة، ولعل ذلك يمس ويؤثر سلبا على الذمة المالية للمحكوم عليه بذلك قد تستحيل عليه، مع الوفاء بذلك بالنظر إلى وضعيته الإجتماعية، فالمقاربة الأمنية وإن كانت ترمي تحقيق الردع فإنها يجب أظن تأخذ بعين الاعتبار وضعية المحكوم عليه كذلك.
المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الانسان .

إرسال تعليق

أحدث أقدم