الحفاظ على البيئة وحماية المناخ: أي التزامات للجماعات الترابية ما بعد كوب Cop 22؟


نتيجة بحث الصور عن يونس ابلاغ
يونس ابلاغ
باحث بسلك الدكتوراه -جامعة محمد الخامس بالرباط-

في مؤشر حماية المناخ للعام الحالي 2016، سبق وإن وضعت المجموعة البحثية "Climate Action Tracker" المغرب ضمن البلدان التي تقوم بجهود لأجل حماية البيئة. فالمملكة حسب المجموعة المذكورة، قد وضعت خطة للحد من انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 32 في المائة بحلول 2030. وهي النسبة التي تعادل أربع مرات ما كانت عليه عام 1990، ذلك أن "ساكنة المغرب التي تمثل 0.46 في المائة من مجموع سكان العالم، تساهم فقط بـ 0.16 في المائة من نسبة انبعاث الغازات الدفيئة في الكون، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي". ولئن كان واضحا أيضا، أن البلد يقوم بجهود جبارة في هذا السياق، والدليل على ذلك، القمة 22 للمناخ التي ستعقد بمراكش بين 7 و18 نونبر 2016 استمرارا للتوصيات والمقررات الصادرة عن مؤتمر الأطراف لحماية البيئة من دورته الأولى ببرلين إلى دورته الواحدة والعشرين بباريس، ثم إنه وبصرف النظر عن اهتمام دستور 2011 بالمجال المذكور الذي يؤكد هذه المساعي، وكذا التشريعات المتعلقة بالبيئة التي بدأت فعليا سنة 2002. لكن، ماذا أوكلت نصوص القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، من اختصاصات بشأن الحفاظ على البيئة وحماية المناخ، للجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى؟

سيكون من التحصيل الحاصل، القول بداية، إن التزامات الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى في الباب المتعلق بالحفاظ على البيئة وحماية المناخ، ثابتة، بعد كوب 22 بمراكش، إن أسندت لها القوانين التنظيمية اختصاصات وواضحة في هذا الباب. لكن، ومن باب الإنصاف، يجب التذكير بمضامين دستور 2011 والتي جعلت في وقت سابق عن القوانين التنظيمية المذكورة، "العيش في بيئة سليمة" حقا دستوريا، كما أحدث، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
إن التنصيص على حماية البيئة في صلب الدستور يعد في الحقيقة تتويجا لمسار تشريعي بدأه المغرب مع فجر الألفية الثالثة. فقد صدر القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة سنة 2003، والقانون رقم 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة سنة 2003، والقانون رقم 25.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها سنة 2006… وهي الترسانة القانونية المتوجة بصدور القانون الإطار رقم 12.99 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة والذي حدد أدوار الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة والمقاولات الخاصة وجمعيات المجتمع المدني والمواطنين تجاه الحفاظ على البيئة وضمان التنمية المستدامة. كما حدد المسؤوليات والمراقبة البيئية، وأحدث بموجب المادة 35 شرطة البيئة لأجل تعزيز سلطات الإدارات المعنية في مجال الوقاية والمراقبة والتفتيش، إلا أنه سرعان ما تم الاستغناء عنها في صمت سنة 2015 بعدما كانت بطور التجريب.

ومن باب التذكير، فالقوانين التنظيمية المنظمة لاختصاصات الجماعات الترابية صدرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 23 يوليوز 2015. وهي النصوص القانونية التي حملت في طياتها مجموعة من المقتضيات المتعلقة بالبيئة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات أدرج الاختصاص بشأن البيئة ضمن اختصاصات الجهة الذاتية. وفي هذا الصدد تقوم الجهة بتهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية ووضع إستراتيجية جهوية لاقتصاد الطاقة والماء ثم إنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.

خلف هذا الاختصاص الذاتي الموكول للجهات، أسندت مقتضيات القانون التنظيمي المذكور اختصاص مشترك بين الدولة والجهات بشأن البيئة. فالمادة 91 من القانون التنظيمي المذكور اعتبرت أن الجهة تمارس الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في مجموعة من المجالات ومنها البيئة لأجل الحماية من الفيضانات والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ومكافحة التلوث والتصحر، فالمحافظة على المناطق المحمية وعلى المنظومة البيئية الغابوية ثم المحافظة على الموارد المائية.
وبناءً على مبدإِ التفريع، حددت المادة 94 الواردة مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجهة والتي تشمل بصفة خاصة: التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي، الطاقة والماء والبيئة. أما بشأن مقتضيات القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. فجاءت عامة، مانحة لهذه الوحدة القاعدية اختصاص مشترك متعلق بالمحافظة على البيئة حسب ما جاء في مادته 87.
نفس الأمر ينطبق على صلاحيات المجلس الذي يفصل بمداولاته في القضايا التي تدخل في اختصاصات الجماعة ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه، ويتداول في مجموعة من القضايا ومنها التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة وكذا اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة عوامل انتشار الأمراض، فضلا عن إحداث وتنظيم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة. أما صلاحية رئيس مجلس الجماعة، فتهم تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها.

أما الاختصاص الموكول للمقاطعات –بالنسبة للجماعات المشمولة بنظام المقاطعات-، فحددته المادة 224 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المذكور، والتي اعتبرت أن مجلس المقاطعة يحدث من بين أعضائه ثلاثة لجان دائمة على الأكثر، يعهد إليها بدراسة القضايا المتعلقة بالشؤون المالية والاقتصادية والشؤون الاجتماعية والثقافية وشؤون التعمير والبيئة قبل عرضها على الاجتماع العام للمجلس. كما يمكن لمجالس المقاطعات، تقديم اقتراحات حول كل المسائل التي تهم المقاطعة، وخاصة تلك الأعمال التي من شأنها، داخل حدود المقاطعة، إنعاش السكن وتحسين مستوى الحياة وحماية البيئة.

أما مقتضيات القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، فجاءت خالية من توكيل أي اختصاص لهذه الوحدة اللامركزية البينية، إن تم استثناء المادة 26 من نص القانون التنظيمي المذكور، والتي جاءت هي الأخرى عامة، بعد أن اعتبرت أن مجلس العمالة أو الإقليم يحدث خلال أول دورة يعقدها، بعد مصادقته على نظامه الداخلي، ثلاث لجان دائمة يعهد إليها بدراسة بعض القضايا كالتنمية القروية والحضرية وإنعاش الاستثمارات والماء والطاقة والبيئة.

لكل ذلك، إن التزامات الجماعات الترابية ما بعد كوب 22، يحب أن ترتكز بالأساس على الاهتمام بالبعد البيئي في كل ما يتخذ من قرارات. فالأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي في قرارات عمليات التعمير والبناء، وهو الاختصاص الموكول للجماعات التحتية، لم يعد فقط حكرا على التراخيص المتعلقة بفتح المحلات المضرة بالصحة والمحلات المزعجة والمحلات الخطرة، وإنما على كل القرارات كيفما كان نوعها. والأكثر من هذا، لقد انتشر تصور حديث يؤكد العلاقة الحتمية بين التعمير بالبيئة كأحد أهم وأبرز مقومات التعمير المستدام.

إن النظم المقارنة –خصوصا فرنسا- وفي الآونة الأخيرة، قد حددت تصوراتها لتطبيقات التعمير المستدام، كما مكنت عدة تحليلات تبعا لذلك من معرفة أن تجاوز اختلالات السياسة العمرانية يبدأ من تسطير العلاقة بين قانون التعمير وقانون البيئة. فالاهتمام بالاستدامة أضحى مفروضا في توجهات سياسة التعمير، كما يحتم على المتدخلين في القطاع تجاوز الاهتمامات التقليدية لأجل تجديد حضري مواكب لتغيرات المحيط البشري والسيوسيو-اقتصادي.

ويبقى غنيا عن البيان أن الجماعات هي المختصة بالتعمير. ولئن تم تسطير العلاقة بين التعمير والبيئة واتُخذت بذلك قرارات مهمة لتنظيم المجال، والتي بإمكانها تغيير الواقع، وتبعا للتشريع المتعلق بالبيئة. فالضرورة أملت أن يتوقف الترخيص للمشاريع الخاضعة لدراسة التأثيرات على البيئة على الحصول على قرار المقبولية البيئية، والذي يشكل إحدى وثائق الملف المقدم لأجل الحصول على الترخيص.

إن هذا النوع من القرارات هو بمثابة دراسة قبلية تمكن من تقييم الآثار المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تلحق بالبيئة، سواء على المستوى القصير والمتوسط وكذا البعيد، نتيجة انجاز المشاريع الاقتصادية والتنموية وتشييد التجهيزات الأساسية. والأكثر من ذلك، تمكن هذه القرارات من تحديد الإجراءات الكفيلة بإزالة التأثيرات السلبية على البيئة أو التخفيف منها، أو تعويضها بما يساعد على تحسين الآثار الايجابية للمشروع على البيئة.

لأجل ذلك، لا يقبل طلب الترخيص المتعلق بالمحلات المصنفة مثلا -المحلات المضرة بالصحة والمحلات المزعجة والمحلات الخطرة- من طرف الإدارة، إلا إذا كان مصحوبا بالموافقة ووصل التصريح وبدراسة التأثير على البيئة، مع وجوب احترام معايير ومقاييس جودة البيئة من كل المؤسسات المصنفة. لكن، يلاحظ أن العديد من القرارات المتخذة يوميا في مجال شرطة التعمير، لا تأخذ بالاعتبار التأثيرات على البيئة، لذلك يجب أن تطرح لفحص وتقييم مسبق. ففي تصريح سابق لرئيس الجمهورية الفرنسية، في إحدى الخطب ب "كرونيل". صرح، بما يلي: " يجب أن تكون لنا الشجاعة للاعتراف بأنه لا يمكن تحديد السياسات العمومية، إذا كنا نجهل التحدي المناخي، فنجهل بذلك أننا ندمر شروط بقائنا في الحياة".

خلاصة:

لا شك أن إدراج الحق في بيئة سليمة ضمن حقوق الإنسان يكشف عن الأهمية التي أصبحت تحظى بها البيئة في حياة البشرية جمعاء، ويبين حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق جميع الأطراف، إن على المستوى الدولي أو الوطني، من أجل الحفاظ عليها وصيانتها. وليبقى المغرب صديقا للبيئة، وجب اتخاذ إجراءات شتى أولها إقرار ورش طموح للتجديد البيئي بغية التخفيف من استهلاك الطاقة خلال السنوات القادمة بخصوص الأبنية التجارية والأبنية المعدة للسكن، وإطلاق برامج تهدف إلى تعميم الأبنية الطاقية الايجابية والتي تنتج طاقة أكثر مما تستهلكها، ثم انخراط الجهات كجماعات ترابية في مسلسل حماية البيئة والحفاظ عليها، والأكثر من ذلك:

  • إحداث لجنة تقنية مكلفة بالتنسيق بين كل المعنيين، مع إحداث ميكانزمات للتنسيق من مستوى عالي؛
  • دراسة الإمكانيات المادية والمؤهلات البشرية لهذه العملية؛
  • العمل بقرارات تنظيمية تنظم هذا الأمر ترابيا؛
  • وجود ممارسة فعلية للمتدخلين في المجال؛
  • وضع استراتيجية جهوية لاقتصاد الطاقة والماء وإنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة؛
  • تفعيل الدور الاستراتيجي للجهات في مجال إعداد التراب والبنية التحتية والنقل البين حضري وكذا في مجال المناخ الطاقي للجهات؛
  • التسريع بمراجعة الضريبة الترابية لتمكينها من أن تلعب دور الكابح والمعاقب على المخالفات والتي هي اليوم عاجزة على أن تقوم بذلك؛
  • تفعيل أدوار المكاتب الجماعية لحفظ الصحة؛
  • استيعاب الربط الدائم بين التعمير والبيئة
أحدث أقدم