الآليات القانونية للنهوض بالمنظومة التعليمية بالمغرب - د. حليم صفور

 





حليم صفور

دكتور باحث في القانون العام والعلوم السياسية

 الآليات  القانونية للنهوض بالمنظومة التعليمية بالمغرب

تقديم عام

      عند الحديث عن أهمية التعليم وآليات تطويره وإصلاحه  والعمل على إحداث نقلة نوعية على صعيد المخرجات لتحقيق التنمية المستدامة ، فإننا نطمح إلى وضع آليات جديدة وتقنيات متطورة  وإحداث نهضة تنموية تساهم في تحقيق التحول النوعي في عمليتي التعليم والتعلم، لأن المعرفة والعلم هما أساس بناء الإنسان والثروة الحقيقية ومستقبل الوطن المشرق.

    فتحقيق التماسك الاجتماعي والتنمية البشرية وتقليص الفوارق أولوية كبرى من خلال تقوية وتعزيز السياسات والخدمات الاجتماعية وتطوير الاستفادة وتيسير الولوج إليها واستهداف مختلف الفئات الاجتماعية بسياسات تهدف إلى إدماج جميع الفئات والجهات في الدورة التنموية الوطنية من بينها القطاع التعليمي.

 

    إن المنظومة التربوية المغربية تعيش في ظل سياق عام يعرف تراجعات كبيرة يمكن وصفها بالوضعية المقلقة جدا، بالنظر إلى كل التقارير الوطنية والدولية، وكذا كل المعايير والمؤشرات الدولية. ورغم أن هاته المنظومة  خضعت لتحولات عميقة وعدد كبير من الإصلاحات والبرامج والمخططات، إلا أنها مازالت تعاني من اختلالات حقيقية تحول دون النهوض بهذا القطاع الحيوي.

       إن إصلاح التعليم عماد تحقيق التنمية ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي والاقتصادي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر ومن نزاعات التطرف والانغلاق، لهذا نحتاج لإصلاح جوهري يعيد الاعتبار للمدرسة والجامعة ليقوما بدورهما التربوي والتنموي المطلوب وفق منطلقات ومرتكزات أساسية. من هذا المنطلق نحن في حاجة ماسة إلى تحسين مردودية التعليم عبر التطوير المستمر بما يتماشى مع روح العصر وتطلعات المستقبل، وتجديد الاليات القانونية الكفيلة للنهوض        بالمنظومة التعليمية بصفة عامة.  

الإطار القانوني

v  دستور 2011

    عمل المشرع المغربي على دسترة هذا الحق من خلال مقتضيات الفصول 31 و32 و33 و168 من دستور 2011 بقوله في الفصل 31: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في… الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، إذ جعل هذا الحق مقرونا بالحقوق المرتبطة بالعلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية. وفي الفقرة الأخيرة من الفصل 32  نجده يؤكد صراحة على هذا الحق بقوله: التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.

   كما أكد الفصل 168 من الدستور ، على إحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بصفته هيئة استشارية مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها، كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال...

 

 

v  التوجيهات الملكية السامية ذات الارتباط بقضية التربية والتكوين

    يولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أهمية كبرى لقطاع التعليم منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين. وفيما يلي جرد لأهم الخطب الملكية التي تعتبر خارطة الطريق للنهوض بقطاع التعليم بالمغرب:

·       الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم 20 غشت 2018 بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب؛

·       الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم29يوليوز 2018 بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين؛

·       الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم30يوليوز 2015 بمناسبة الذكرى السادسة عشر لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين؛

·       الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم 20 غشت 2014 بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب؛

·       الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم 20 غشت 2013 بمناسبة ذكرى لثورة الملك والشعب؛

·       الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم 20 غشت 2012 بمناسبة ذكرى لثورة الملك والشعب؛

·       خطاب العرش 30 يوليوز2009 ؛

·       خطاب العرش 30 يوليوز2008 ؛

·       الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 12 أكتوبر 2007؛

·       الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 11 أكتوبر 2002؛

·       خطاب العرش 30 يوليوز1999 .

    فقد أكد صاحب الجلالة من خلال خطابه  السامي يوم 20 غشت 2018 بمناسبة ثورة الملك والشعب، أنه لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل، وهو ما يمثل هدرا صارخا للموارد العمومية ولطاقات الشباب، ويعرقل مسيرات التنمية ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة.

   وأضاف الجالس على العرش، أنه رغم كل الجهود والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة، تبقى دون طموحنا في هذا المجال، وهو ما يدفعنا في سياق نفس الروح والتوجه الذي حددناه في خطاب العرش، إلى إثارة الانتباه، مجددا وبكل استعجال، إلى إشكالية تشغيل الشباب، لا سيما في علاقتها بمنظومة التربية والتكوين.

v  الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030

 

      تندرج هذه الرؤية في مدى زمني تمتد من 2015 إلى 2030، مع الأخذ بعين الاعتبار المدى القريب والمتوسط والبعيد، وهي مدة كافية لإنجاز تقييم شامل لسيرورة الإصلاح ونتائجه. حيث تستند على مبادئ الثوابت الدستورية للأمة المغربية وتقوم على توطيد المكتسبات وتطويرها... فمن شأنها جعل المدرسة المغربية تحقق عدة غايات استراتيجية أهمها تكوين مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه  و الاستجابة لمتطلبات المشروع المجتمعي المواطن الديمقراطي والتنموي.

    كما تؤكد هذه  الرؤية الاستراتيجية ، التي أعدها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي، على إرساء مدرسة جديدة قوامها الإنصاف وتكافؤ الفرص، وترسيخ الجودة، والإعمال الفعال والملائم للنموذج البيداغوجي، باعتباره جوهر عمل المدرسة بمختلف مكوناتها، وأساس اضطلاعها بوظائفها في التربية والتعليم والتكوين.

    وانطلاقا من ذلك، تقترح الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، اعتماد منهاج وطني مندمج، بمكونات جهوية، على مستوى شعب ومسالك وأقطاب الدراسة بأطوار التربية والتكوين، قائم على تفاعل وتكامل المواد والتخصصات، ووظيفية التقويم، ونجاعة التوجيه التربوي، والاستناد إلى أطر مرجعية ومعرفية في هندسة مختلف الأطوار بقطاعات التعليم المدرسي والعالي والعتيق والتكوين المهني، مع تدقيق وظائف هذه الأطوار، في مراعاة خصوصية كل طور، وموقعه داخل المسار الدراسي للمتعلمين، ووظيفته التربوية.

   أما على مستوى المناهج والبرامج، فتقترح الرؤية الاستراتيجية، إعادة النظر في المناهج والبرامج والطرائق البيداغوجية، في اتجاه تخفيفها وتنويعها، وتوجيهها نحو البناء الفكري للمتعلم والمتعلمة، وتنمية مهارات الملاحظة والتحليل والاستدلال والتفكير النقدي لديهما، وتركيز المناهج على الاهتمام بالمتعلم باعتباره غاية للفعل التربوي، وتشجيعه على تنمية ثقافة النقد والمبادرة والاجتهاد، والتفاعل معه كشريك، وذلك بإدماجه وتكليفه، في إطار العمل الجماعي، بمهام البحث والابتكار والمشاركة في التدبير، والربط المنتظم للمعرفة النظرية بالمعرفة التطبيقية، وترسيخ الثقافة الوطنية بمكوناتها المختلفة، وتعزيز حضورها داخل المقررات الدراسية.

v  النموذج التنموي الجديد

     يطمح النموذج التنموي الجديد إلى إحداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية، باعتبار أن الاختيار الاستراتيجي الأول بالنسبة للمنظومة، هو تعليم ذو جودة، فالمدرسة المغربية اليوم يجب أن تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات والكفايات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني، كما يجب أن تصبح هذه المدرسة هي الرهان الأساس لتكوين شباب متفتح يطور ذاته ويصنع مستقبل المغرب، من خلال ترسيخ معنى الاستقلالية والمسؤولية وأخلاقيات المهنة والتشبع بالمواطنة والسلوك المدني والقيم الإنسانية الراسخة في الهوية المغربية والفكر المنفتح والقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم.

    إن تجسيد هذا الطموح يتطلب تجاوز الأزمة الثلاثية الأبعاد التي يعيشها النظام التربوي المغربي : أزمـة جودة التعلمات، التي تتمثل في عدم إتقان أغلبية التلاميذ للمهارات والكفايات الأساسية في القراءة والحساب والكتابة واللغات في نهاية مسارهم الدراسي. وأزمة ثقة المغاربة إزاء المؤسسة التربوية وهيئتها التعليمية.  وأزمة في مكانة المدرسة التي لم تعد تلعب دورها في الارتقاء الاجتماعي وتشجيع تكافؤ الفرص.

    فبدون تحول عميق للنظام التربوي، لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب على مستوى ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإدماج التنموي. لذلك، فإن النموذج التنموي الجديد يدعو إلى نهضة تربوية حقيقية لتحسين جودة التعليم بشكل جوهري وإعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي المغربي، والمطلوب اليوم أنه في أفق 2035، يجب أن يمتلك أزيـد مـن 90% من التلاميذ (ات) المهارات المدرسية والكفايات الأساسية عند نهاية مرحلة التعليم الابتدائي، مقابل أقـل مـن 30% حاليا.

  ولأجـل ذلك يدعو النموذج التنموي الجديد الى اصلاحات طموحة من شأنها تعزيز واستكمال رؤية 2030 والقانون الإطار المنبثق عنها بالإضافة إلى الرفع من قدرات النظام التعليمي من حيث الصمود والتكيف مع أوضاع تفرض اكراهات شبيهة بتلك التي رافقت الأزمة الصحية كوفيد 19 أو زلزال الحوز، ومن أهمها:

-  القضاء على الهدر المدرسي خصوصا بالعالم القروي؛
- تنزيل برنامج التكوين المستمر وتأهيل فضاءات  المؤسسات التعليمية؛
- ايجاد حلول ملائمة للإكراهات المتعلقة بتعميم وتطوير ربط المؤسسات التعليمية بالأنترنيت؛
- تعزيز كفاءات المدرسين في مجال المعلوميات...

كما  أوصى تقرير النموذج التنموي الجديد ب:
-  تنظيم مسار التلميذ في عدة مستويات للتعلم عبر تحديد المعارف والمهارات والسلوكيات التـي يجـب اكتسـابهـا مـن طـرف المتعلـم فـي كل مرحلـة مـن مسـاره الدراسـي قبـل المـرور إلى المرحلة المواليـة بشكل يحـد مـن تراكم النواقص؛
- وضع آليـة لمحاربة الهدر المدرسـي تتيـح التدخـل عنـد كل مرحلـة مـن الحيـاة المدرسية للطفـل لأجـل تجنب تراكـم فجـوات التعلم والحد من مخاطر الانقطاع عن المدرسة والرفع من فرص النجاح الأكاديمي والمهني؛
- خفض نسبة الهدر المدرسي بمقدار الثلث، ففي كل سنة يغادر حوالي 300000 تلميذ وطالب مقاعد الدراسة.

v  القانون الإطار 51.17 المتعلق بالمنظومة التعليمية للتربية والتكوين والبحث العلمي

     تمت صياغة مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، والمندرج في إطار الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030 ، وذلك من أجل إعادة صياغة قضية التعليم ضمن أولى الانشغالات والأولويات  الوطنية، وانطلاقا من الدور المحوري الذي تلعبه المدرسة  داخل المشروع المجتمعي لبلادنا، واعتبارا لدورها في في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتكوين الكفاءات والخبرات ، وتفاعلا مع النقاش العمومي الدائر حول واقع المنظومة التعليمية ببلادنا، وواقع المدرسة العمومية المغربية.

    ومن بين أهم مضامين القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين ، التأكيد على التعدد اللغوي في تدريس المواد العلمية والتقنية ،و فرض مساهمات على الجماعات الترابية والقطاع الخاص والاسر، كذلك  إعادة هيكلة التعليم العالي من خلال تجميع مختلف مكوناته وفق مخطط متعدد السنوات، إضافة إلى وضع خارطة وطنية استشرافية للتعليم العالي وإقامة أقطاب جامعية جهوية.

     كما سيتم إحداث مجلس وطني للبحث العلمي يناط به تتبع استراتيجية البحث والابتكار، و وضع نظام التمدرس الاستدراكي لفائدة جميع الأطفال المنقطعين عن الدراسة لأي سبب من الأسباب .توسيع الاستفادة من خدمات الإيواء والطعام والتغطية الصحية ونظام المنح الدراسية والقروض لفائدة المتعلمين...

إرسال تعليق

أحدث أقدم