رهان التنمية وفق اللامركزية الإدارية بالمغرب - رضوان الغزاوي


 رضوان الغزاوي 

 طالب باحث في سلك الماستر

         يعتبر المغرب  من الدول التي تبنى مقترح اللامركزية في نظامه الإداري، حيث انطلقت الدول منذ السنوات الأولى من الاستقلال في وضع اللبنات الأولى لللامركزية، واسندت بعض سلطاتها في انجاز القرار في بعض الميادين ذات الطابع الاقتصادي ولاجتماعي لوحدات ترابية منتخبة، قصد تحسين علاقة الإدارة المحلية بالمواطنين وذلك بتوفير الفعالية والجودة في الخدمات، وقد واكب هذا التطور انشاء مصالح خارجية تمثل الادارات المركزية على المستويين الإقليمي والجهوي، يعهد اليها بمزاولة بعض الاختصاصات في تسيير الإمكانيات البشرية والمالية في اطار البرامج التي تضعها المصالح المركزية على المستويين الإقليمي والجهوي، اذ يستحيل ان تقوم الأجهزة المركزية لوحدها بضمان تأدية المهام الإدارية في شتى ارجاء التراب الوطني، وهكذا فان سياسة اللاتركيز يعتبر طلبا جوهريا لضمان حسن تصريف الشؤون المحلية بالإضافة الى ما يشكله هذا النظام من لازمة سياسية أساسية لسياسة اللامركزية، وفي هذا الاطار شهد اللاتركيز قفزة نوعية على ضوء المرجعية الدستورية لسنة 1996 بغية إعطاء نفس جديد للممارسة الإدارية، وذلك عن طريق تبني مجموعة من النصوص التي ترمي كلها الى الحد من المركزية المفرطة للسلطات، هذا فضلا عن ما حظي به اللاتمركز الإداري خلال دستور2011، وكذا الخطاب الملكي الذي القاه الملك محمد السادس الذي شكل محور اهتمام البرامج الحكومية بالنسبة للحكومات التي تداولت على السلطة ببلادنا، باعتبارها محور أساسي من محاور الإصلاح الإداري، كما حظي باهتمام مختلف مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية .

    وبقراءتنا لتطور التنظيم الإداري للمملكة، نلاحظ أن الدولة سلكت منهج التدرج في تطوير التدبير اللاممركز، انطلق بنهج أسلوب عدم تركيز وسائل العمل ليصل إلى لامركزية القرار الإداري، واكب هذا التدرج و التحول النوعي الذي شهده أسلوب التدبير والتسيير اللامركزي والذي يعد أحد المرتكزات والخيارات لتحقيق التنمية الترابية الكفيلة بالاستجابة لمتطلبات الساكنة، والوسيلة الناجعة لدعم وترسيخ اللامركزية الترابية .

'' إن التنمية الترابية تعتبر بعدا من أبعاد التدبير العمومي ورهان من رهانات اللامركزية واللاتمركز، حيث تسعى من خلالهما الدولة لتجويد الحكامة وخلق أقطاب للتنمية المحلية تخفيفا للعبء عن السلطات المركزية، وتكريسا لإدارة القرب، ويتجلى ذلك أساسا في منح مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات والموارد للمسؤولين المحليين منتخبين ومعينين، وذلك في العديد من الميادين المتعلقة بالتنمية خاصة فيما يتعلق منها بالمجال الاقتصادي والاجتماعي...''([1])

ويمكن القول أن المركزية كنظام إداري ظلت لعقود تتحكم في كل القرارات في مجموع التراب الوطني، في حين بقيت المصالح اللاممركزة مهمشة ولا تشارك في إعداد سلطة القرار، هذه السلطة اللاممركزة ارتبطت بنظام رقابة تسلسلي، وبالتالي فالمركزية يمكن القول عنها أنها كانت مركزية مفرطة لا تتوافق مع رهانات التدبير العصري والفعال للإدارة العمومية.  وامام الظرفية الراهنة والتحولات التي تعرفها البلاد، والتحديات التي يجب مواجهتها لا تساعد اليوم اكثر من أي وقت مضى ان تكون الإدارة حاجزا للتنمية، على اعتبار ان المغرب دخل مرحلة جديدة قوامها إرساء الجهوية المتقدمة التي تشكل فرصة لإصلاح نظام اللاتمركز الإداري .

إن العائق الأساسي الذي كان دائما يعترض التنمية الترابية في المغرب وقيام حكامة محلية حقيقية هو رغبة احتكار السلطة والعقلية القائمة على المركزية المتحجرة الموجودة لدى مسؤولي الإدارة المركزية، وهو ما يؤكده الملك في العديد من خطاباته، وذلك عندما قال ”.. كما نهيب بالحكومة، إلى إعداد ميثاق وطني لعدم التمركز يتوخى إقامة نظام فعال لإدارة لا ممركزة، يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة…”([2]).

    إن متطلبات التنمية الترابية والبحث عن مقاربة دقيقة لحل المشاكل الجهوية والمحلية من طرف السلطات السياسية والإدارية التي تملك نظرة واقعية وشاملة حول المعطيات البشرية والتقنية، حتمت عليها البحث عن مسلسل تدريجي لعدم التمركز مع أسلوب التنسيق يكون أفقيا وأكثر امتدادا حتى يحقق الانسجام المطلوب بين مختلف المتدخلين فيها، من أجل ربح الوقت وتخفيض التكاليف وتفادي تضارب الاختصاصات، ومهما وضع من تصورات للجهوية المتقدمة فلن تعرف النجاح المطلوب، ولن تذهب بعيدا في تحقيق الأهداف المعلقة عليها إذا لم تواكب وتدعم باللاتمركز حقيقي، وفعلي، وواسع، وله سلطة التقرير.

   إن التجسيد الفعلي للاتركيز الإداري باعتباره الدعامة الأساسية لحكامة اتخاذ القرار على الصعيد المحلي، حالت عدة عوائق دون تحقيقه، من بينها عدم وجود مستوى موحد لتوزيع المهام والاختصاصات التي تقوم بها المصالح اللاممركزة، بالإضافة إلى ضعف في المهام المفوضة إلى هذه المصالح وضيق في مجال تدخلها ومبادرتها، وتكون بالتالي ملزمة هي والمتعاملين معها بالرجوع في عدد كبير من القضايا إلى المصالح المركزية، مما يؤثر سلبا على السرعة والفعالية في الأداء اللذان يعتبران عماد الحكامة في اتخاذ القرار، والملاحظ أن تطور سياسة اللاتمركز الإداري أسست لها مجموعة من المرجعيات السياسية والقانونية والواقعية والمناخ الملائم لصدور المرسوم رقم:618-2 -17 الصادر في26 ديسمبر2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

   ان تحقيق اهداف ومبادئ اللاتركيز الإداري يتوقف على التفاصيل الحقيقية لمؤسسات الجهة ومنحها صلاحيات تقريرية على المستوى الترابي دون الرجوع الى السلطات المركزية مع تخصيص الموارد المالية الكافية لمساعدة الجهة على توطين وتنفيذ برامج السياسات العمومية في النطاق الترابي التابع لها .

كما يجب ان ترتكز هذه السياسة الجديدة على إعطاء بعد ترابي لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الامر الذي سيمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج ويساهم في تامين الانصاف والعدالة الاجتماعية والمجالية في التدخلات التنموية .

   وفي نفس الاطار فان اصلاح نظام اللاتمركز الإداري سيمكن الجهة وباقي مكوناتها المؤسساتية التابعة لترابها من ممارسة مهامها والصلاحيات المستندة اليها بموجب القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات حيث يعد هذا القانون متقدما مقارنة بباقي القوانين السابقة، فهو جاء في سياق يتميز بعدة إصلاحات مهمة شهدها المغرب حيث تصب في إعطاء بعد ترابي للتنمية وخلق اقطاب اقتصادية جهوية تقرر في مسائل الاقتصادية والاجتماعية وإعداد التراب والتعمير وقضايا البيئة، دون الحاجة الى الرجوع للسلطات المركزية. نفس الامر ينطبق على مجالس العمالات والاقاليم بعد صدور القانون التنظيمي رقم 112.14  والجماعات الترابية 113.14..

   وتبعا للتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تفرضها الظروف الحالية، واجب على المغرب الاستجابة لهذه التغيرات القائمة على الشراكة ومساهمة الفاعلين في تقديم خيار التوفيق بين اللامركزية وسياسة اللاتركيز الإداري، الذي يتوقف على مدى التزام وقدرة السلطات الحكومية على تنزيل المبادئ الدستورية المتعلق بنهج أسلوب التفريغ، والقاضي بنقل بعض المهام من السلطات المركزية ومنحها للجهة، بالإضافة الى تنزيل مضامين مرسوم اللاتمركز الإداري واعداد التصاميم المديرية للاتمركز الإداري في الاجل القانوني .

     وللإلمام بجوانب الموضوع نطرح الاشكال التالي :

 ''  هل ينجح المغرب في رهان التنمية وفق اللامركزية الإدارية أم أن التغيرات الداخلية والإقليمية والدولة ستمنعه من ذلك ؟ ''

 

 

المبحث الأول : ميثـاق اللاتمركز الإداري (المفهوم والاطار المرجعي)

     يعتبر اللاتمركز الإداري أسلوب من أساليب التنظيم والتدبير الإداري، فهو نظام تدبيري يهدف إلى التخفيف من أعباء المسؤوليات الملقاة على عاتق الادارات المركزية، وذلك بمنح البنيات الإدارية الترابية الممثلة للإدارات المركزية بعض المهام والصلاحيات التي كانت تقوم بها المصالح المركزية، قصد ضمان التنفيذ الفعلي والناجع للسياسات العمومية المبرمجة من طرف الدولة. كما يعتبر صدور المرسوم رقم 618-17-2 بتاريخ 26 ديسمبر2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري([3]) . تتويجا للمجهودات المتواصلة للفاعلين على مختلف مستويات، والتي ما فتئت تعمل على التخفيف من مركزية التدبير والإدارة ومنح المصالح الخارجية للإدارات المركزية التقرير في بعض الصلاحيات والمهام. كما يعد أيضا؛ ضرورة ملحة للظرفية الراهنة التي تتطلب وضع نموذج للتدبير الترابي يقوم على تقوية البنيات الإدارية الترابية لتتماشى مع التطور الذي شهدته الجماعات الترابية. هذا بالإضافة الى صدور مجموعة من القوانين التنظيمية نذكر منها :

ü   القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات .

ü   القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم .

ü   القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية .

وفي هذا الباب، دعا الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه بتاريخ 13 أكتوبر 2017، بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية الى ضرورة إخراج ميثاق اللاتمركز الإداري([4])، وتحديد برنامج زمني دقيق لتطبيقه وكان الملك قد اعطى قبل ذلك أوامره بمناسبة عيد العرش لسنة 2012 للحكومة باعتماد ميثاق اللاتمركز، بشكل يمكن الادارة من اعادة انتشار مرافقها ومساعدتها على التجاوب الامثل مع حاجيات اللامتمركزة، حيث توجهت مجهودات الدولة الرامية إلى إرساء تدبير لامتمركز على المستوى الترابي وترسيخ اللامركزية الترابية في اطار الجهوية المتقدمة، بإصدار المرسوم رقم- 618 –17_ 02 بتاريخ 26 ديسمبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري وذلك وفق ما جاء في الباب الاول من المادة الاولى ''.... يحدد هذا الميثاق، الأهداف والمبادئ التي يقوم عليها التدبير اللامتمركز، وآليات تفعيله، والقواعد العامة للتنظيم الإداري للمصالح اللاممركزة للدولة، وقواعد توزيع الاختصاص بين الإدارات المركزية وهذه المصالح، والقواعد المنظمة للعلاقات القائمة بينها من جهة، وبين ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم من جهة أخرى ...''([5])

ويشكل اللاتمركز أحد الأولويات لتنفيذ السياسات العمومية وعليه ركزت التصاريح الحكومية على أبعاده المتميزة من خلال الدعوة إلى إحداث تغييرات على مستوى الهياكل مع الأخذ بعين الاعتبار سياسة اللامركزية واللاتمركز واعتماد تفويض السلطات، وعليه فإن النهوض باللاتمركز الإداري تطلب وضع إستراتيجية شمولية تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطن حسب الأولويات الاكيدة للدولة في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية والرفع من جودة الإدارة وخدماتها بشكل يمكن من ضمان المشاركة الفعالة وتهيئ المناخ الملائم لاتخاذ القرار والتواصل بين الإدارة المركزية والمصالح الممركزة والتنسيق بين مختلف الفاعلين على المستوى الوطني والجهوي والمحلي وذلك قصد الوصول إلى نتيجة ايجابية تستجب لتطلعات الساكنة والإدارة اللاممركزة .

v  المطلب الأول: المفـهوم والاطار المرجعي لسياسة اللاتمركز الإداري

     يدخل موضوع اللامركزية في مجال التنظيم الإداري، وتعتبر لغويا نقيض المركزية، وهي عبارة مستعارة من الترسنة المؤسساتية والتنظيمية للدول الغربية، وتفيد تاريخيا مرور الأنظمة الإدارية والسياسية الغربية من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديمقراطية، فالمركزية تنصرف إلى نمط إداري قائم على الانفراد التام في صياغة القرار السياسي والإداري وتسيير الشؤون العامة للدولة انطلاقا من المركز السياسي، العاصمة، أما اللامركزية فيجب التمييز بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية، فالأولى تنصب على توزيع جميع وظائف الدولة (التنفيذية- القضائية – التشريعية) بين المركز والجماعات الترابية، ولذلك فهي لا توجد إلا بالدولة المركبة أو الفيدرالية، أما اللامركزية الإدارية فيقصد بها توزيع الوظائف الإدارية فقط، بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات الجماعات الترابية ويتم نظام اللامركزية الإدارية بمواكبة الاتجاهات الحديثة التي ترمي إلى تحقيق مزيدا من الديمقراطية للشعوب ودلك لمساهمتها الفعالة في تدبير الشؤون الإدارية.

   ويعد صدر مرسوم 20 أكتوبر 1993 بشأن اللاتركيز الإداري الذي أتى ضمن دينامية تشريعية للاتمركز الإداري التي عرفتها سنوات التسعينات والذي شكل الإطار القانوني لهذا الأخير تعثرت أهدافه قبل تنزيله مما الزم المسؤولين على التفكير في نهج سياسة جديدة لعدم التركيز الإداري بهدف البحث عن نمط جديد لتنظيم حضور إدارات الدولة على المستوى المحلي وإصلاح بنيات وأنماط تسيير إدارات الدول .

الفقرة الأولى:  مفـهوم اللاتمركز الإداري

    لقد عرف مفهوم اللاتركيز الإداري اختلافات كبيرة بين مختلف الأوساط الأدبية والسياسية والاقتصادية من مفكرين وادباء وسياسيين وفقهاء القانون لهذا حاولنا ان نركز على بعض المفاهيم التي كانت لها معنى واضح لهذا المفهوم، حيث يعتبر اللاتركيز الاداري من أبرز الشروط الضرورية للإصلاح الإداري بالمغرب، ذلك أن اللاتركيز الاداري يعطي مجموعة من الامتيازات للإدارة المغربية على المستوى المحلي.

وفي هذا الجانب نجد الأستاذ الجامعي الفرنسي ''آندري دولوبادير'' وهو استاذ القانون العام في جامعة باريس قد عرف اللامركزية بأنها: " اصطلاح وحدة محلية بإدارة نفسها وقيامها بالتصرفات الخاصة بشؤونها "([6]) ، فيما عرفها الدكتور ''رشدي عبد العزيز'' وهو دكتور في القانون العام ب" فالمقصود باللاتمركز الإداري هو عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين البنيات والمستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة.....''([7]) لكن رغم ذلك يبقى مفهوم اللاتمركز الإداري يعرف خلاف متواصل بين الباحثين وفقهاء القانون لان اللاتركيز الإداري ليس بتلك المفهوم الضيق الذي يمكن حصره في جملة أو جملتين لهذا كلما تعمقنا في البحث عن هذا المفهوم قد نجد مفاهيم وتعاريف جديدة له لأنه يتجدد كلما تجددت القوانين التنظيمية للإدارة.

وتكمن أهمية اللامركزية في كونها وسيلة تمكن المواطنين من المساهمة في اتخاذ القرار وفي تسيير حياتهم العامة، انطلاقا من مجموعة من المبادئ المتعددة كالديمقراطية، وحقوق المواطنين، وفعالية التسيير وغير ذلك من متطلبات المجتمع، نظرا لعجز الدولة عن التواجد في كل مكان وكل وقت.

الفقرة الثانية: الاطـار المرجعي لسياسة اللاتــمركز الإداري

     من الملاحظ أن تطور سياسة اللاتمركز الإداري أسست لها مجموعة من المرجعيات السياسية والقانونية والواقعية، حيث عمل المغرب منذ حصوله على الاستقلال على تطوير وتحديث أساليب التدبير الإداري بغية تجاوز وجود الاستعماري وسلبياته ومواجهة التحديات المستقبلية التي تفرض تعبئة الإدارات ومواردها البشرية لسد الفراغ الناجم على مغادرة الأطر الأجنبي الإدارة المغربية التي كانت تشتغل في الكثير من الوظائف الحيوية حيث فرضت هذه الاكراهات على المشرع المغربي إصدار العديد من القوانين والمراسيم المتعلقة بالتدبير الإدارية وذلك قصد تطوير وتجويد بنيات إدارية قوية قادرة على الاستجابة للمتطلبات والحاجيات الساكنة. '''ولهذا الغرض، عمل المشرع على تطوير مسلسل التدبير الإداري، الذي كان يتميز بالمركزية في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، مرورا بلاتركيز الإداري والذي يقوم على تفويض بعض المهام والصلاحيات لفائدة ممثلي الإدارات المركزية على المستوى المحلي وصولا إلى اعتماد نظام اللاتمركز الإداري.....''([8]).

في هذا الجانب نجد دستور 2011 الذي نص على التزام الدولة بإرساء نظام لامتمركز للتدبير الإداري يساعد على تنزيل السياسة العامة للدولة الرامية إلى تحديث الاقتصاد الوطني وتدعيم التماسك الاجتماعي ومحاربة الهشاشة والاقصاء، والذي نظمه المرسوم رقم 618- 2 -17 الصادر في 26 ديسمبر2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

إن تطوير التدبير الإداري للمملكة شكل على الدوام اهم الاوراش التي تتقدم الإصلاحات والبرامج التي يضعها الفاعلون من أجل تطوير دواليب تسيير الشأن العام وتطوير آليات اشتغال الإدارة باعتبارها الجهاز التنفيذي للسياسات العمومية، هذا ما أكده العاهل المغربي في العديد من خطابته التي ما فتئت تدعو إلى ضرورة تطوير الإدارة وتحسين التدبير الإداري وتبسيط المساطر، حيث  تضمنت هذه الخطابات في الكثير من المناسبات إشادات واضحة تدعو إلى تعزيز الحكامة المؤسسية من خلال الارتقاء بإصلاح القضاء والجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري الواسع.

وتماشيا مع الأهمية التي يحظى بها اللاتمركز الإداري تم التنصيص عليه دستوريا، كما ورد تضمينه بالتصريح الحكومي، علاوة على خضوعه للتأطير بنصوص تنظيمية متعددة، حيث استند المشروع إلى الدستور، خاصة الفصل 145 الذي ينص على ” أن الولاة والعمال يقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ويسهرون على حسن سيرها” ([9])، مما يظهر المكانة التي خولها المشرع الدستوري للاتمركز ضمن النسيج الإداري للمملكة.

أما عن المستوى السياسي فنتوقف عند التصريح الحكومي الذي ألقي أمام البرلمان بتاريخ 17/04/2017 الذي نص على إرساء الجهوية المتقدمة وتعزيز اللامركزية واللاتمركز، واعتماد مشروع طموح للاتمركز الإداري مواكب للجهوية واللامركزية، مع تبني المقاربة المجالية المندمجة في برمجة الميزانية العامة للدولة عوض الاكتفاء بتوزيع الاعتمادات على مختلف الوزارات([10])، والرفع من الأداء والارتقاء بالمرفق العام إلى مستوى النجاعة والفعالية والمردودية العالية للقيام بخدمة المواطنين والصالح العام.

أ- إعادة تعريف اختصاصات البلديات (الجماعات الترابية)

لقد تم عرض الدستور الجديد والقانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية بصفتهما إصلاحات زادت من اختصاصات الحكومات المحلية، ومن ثم عززت من قدرتها على الحكم الذاتي. في حين يسري هذا بوضوح على الجهات، فيبدو أنه لا يسري بنفس القوة على مستوى الجماعات الترابية، التي كانت حاصلة بالفعل في ظل موجة إصلاحات سابقة على مسؤوليات مهمة.

فلقد ميز دستور 2011 وخاصتا الفصل140 بين "اختصاصات ذاتية" للجماعات الترابية، واختصاصات منقولة إليها من الدولة، واختصاصات "مشتركة" مع الدولة([11]).

ويستعرض القسم الثاني من قانون 113.14 التنظيمي تفصيلاً الاختصاصات البلدية بموجب التقسيم المذكور ذاته (باستثناء أنه ينص على الاختصاصات "المنقولة"([12]) بصفتها نُقلت، في تباين مع الاختصاصات "المنقولة" بصفتها قابلة للنقل، كما ورد في الدستور). على أن الامتدادات المتصلة بالاختصاصات الذاتية للبلديات قليلة للغاية وليست مهمة لاضطلاعها بأعمالها. على سبيل المثال، أصبحت البلديات الآن مسؤولة عن "العنونة" (أي تهيئة وتحديث نظام متماسك ومتكامل للعناوين يسمح بتحسين عملية جمع الضرائب، إلخ – بينما أغلب الضرائب المحلية تتولى جمعها الحكومة المركزية) (المادة 85 من القانون التنظيمي 113.14 المشار اليه أعلاه) ([13]).

 كما أصبحت البلديات مسؤولة عن تنفيذ خطة التعمير وخطة التنمية الريفية، المتصلة بفتح مناطق عمرانية جديدة، وإن كان فتح وتعريف هذه المناطق لا تتولاه البلديات.

ب- استمرار السيطرة الإدارية القوية رغم انتهاء "الوصاية"

   إضافة إلى النصوص القانون التي تعزز الديمقراطية المحلية وفقاً لمبدأ "التدبير الإداري الحر" للجماعات الترابية، المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور الجديد، فإن مفهوم ومعناه الحر في "الوصاية" المكفول للسلطات الإدارية بوزارة الداخلية قد اختفى. وعلى الرغم من هذا النص الجديد، الذي يعكس تحولاً مهماً في فهم العلاقات بين المؤسسات اللامركزية والسلطات المركزية، فإن التغيرات على الأرض لا تزال محدودة.

فالمداولات الأساسية للمجلس الجماعي التي كانت في السابق "يوافق" عليها الحاكم (الوالي أو العامل) (وهو أعلى ممثل للحكومة المركزية على المستوى الجهوي/البلدي ويعينه الملك) أو توافق عليها المديرية (الفصل 69 من ميثاق 2009 الجماعي)([14]) . ولكي تصبح الآن قابلة للتنفيذ، فهي لا تصبح كذلك "إلا" بعد التأشير عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم، وأغلب هذه القرارات تصبح نافذة بعد انتهاء مهلة 20 يوماً (المادة 118 من قانون 113.14 التنظيمي)([15]). لكن من حيث الممارسة لا يزال بإمكان الحُكام رفض التأشير أو تقديم تأشيرة متأخرة، وتبقى البلديات مترددة للغاية في تفعيل القرارات الأساسية إلا بعد تحصيل الموافقة الرسمية من الحاكم/وزارة الداخلية. وفي حين أصبح للبلديات مسؤوليات قانونية أكثر من حيث القانون فما زالت السيطرة من قبل الحكومة المركزية وممثليها بعيدة كل البعد عن الاختفاء، من حيث الممارسة.

v  المطلب الثاني: مرتــكزات وأهــداف ميثـاق اللاتـمركز الإداري

   يعتبر اللاتمركز الإداري لمصالح الدولة تنظيما إداريا مواكبا للتنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، وأداة رئيسية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي، قوامه نقل السلط والوسائل وتخويل الاعتمادات لفائدة المصالح اللاممركزة على المستوى الترابي، من أجل تمكينها من القيام بالمهام المنوطة بها، واتخاذ المبادرة تحقيقا للفعالية والنجاعة

إن الهدف من تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري وربطه بمتطلبات الجهوية المتقدمة، سوف يؤدي إلى عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين المستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة، حيث بموجبه سوف يتم نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافيا، للقيام بمهام معينة عهدت إليهم، وتخويل المصالح الجهوية والإقليمية صلاحيات اتخاذ القرار وفق آليات تفويض السلطة أو الإمضاء، مما سينجم عنه تخفيف العبء عن الإدارات المركزية، وإتاحة سرعة اتخاذ القرارات على المستوى المحلي عن طريق سهولة التنسيق بين الإدارات، وهذا سيكون نتيجة ارتباط متناغم لورشي الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري، تحت رقابة فعالة وفي إطار الآليات القانونية لحكامة ترابية تخول للولاة والعمال الصلاحيات اللازمة للسهر على المسايرة والمواكبة الفعلية والمتناسقة.

 ويمكن اعتبار أهم المستجدات التي جاء بها الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، هي تلك المرتبطة بتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والمصالح اللاممركزة، وفي هذا السياق فقد أصبح اللاتمركز القاعدة العامة في توزيع المهام والوسائل بين مختلف المستويات الإدارية التابعة للدولة.

الفقرة الأولى: مرتكزات ســـياسة اللاتمركز الإداري

   مواكبة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تعرفها المملكة، شهد التنظيم اللامركزي تطورا نوعيا على قدر كبير من الأهمية تمثل في صدور القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات([16]) والقانون التنظيمي رقم112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم([17]) والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية([18]) .

 ومما لا شك فيه، فإن اتساع مجال الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية لاسيما على المستوى الجهوي وأهمية الموارد البشرية والمالية التي وضعت رهن إشارتها، تطلبت النهوض باللاتمركز الإداري ووضع رؤية جديدة لتدخل الإدارات اللاممركزة للدولة، تحت إشراف والي الجهة، على المستوى الترابي .

تقوم سياسة اللاتمركز الإداري على المرتكزين الأساسيين التاليين :

المرتكز الأول: الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي .

المرتكز الثاني: وهو الدور المحوري الذي يلعبه والي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بما يحقق النجاعة والفعالية والارتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها.

وقد كرس مرسوم 2.17.618 بمثابة ميثاق للاتمركز الإداري الاهتمام المتزايد بالولاة والعمال بتفعيل دورهم كمحرك أساسي لنظام اللاتمركز الإداري في إطار السلطة التنسيقية المخولة لهم في إطار العلاقة الأفقية للعامل والوالي بالمصالح اللاممركزة بمقتضى المادة 26 من المرسوم المشار إليه أعلاه([19]). وحمل المرسوم رقم 2.17.618 مقاربة جديدة ذات أبعاد متكاملة، تروم مراجعة الأدوار والوظائف والعلاقات القائمة بين الفاعلين الرئيسيين، وهم المصالح اللاممركزة للدولة في علاقتها بالمصالح المركزية، والعلاقة بينها وبين الولاة والعمال، والعلاقة بين تلك المصالح والجماعات الترابية وباقي المؤسسات الأخرى.

ومن أهم المستجدات التي نص عليها هذا المشروع، وضع تصاميم مديرية للاتمركز الإداري، تشكل خارطة طريق لعمل المصالح اللاممركزة، وكذا تخويل المصالح اللاممركزة للدولة صلاحيات تقريرية، وتحديد الاختصاصات المنوطة بمختلف مصالح إدارات الدولة، بالإضافة إلى تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي أو الإقليمي، وإمكانية إحداث تمثيليات إدارية جهوية أو إقليمية مشتركة بين قطاعين وزاريين أو أكثر.

       كما همت المستجدات التي جاء بها هذا المشروع، ترشيد النفقات العمومية من خلال اعتماد مبدأ التعاضد في الوسائل المادية والبشرية، فضلا عن العمل على اتخاذ ما يلزم لتخويل رؤساء المصالح اللاممركزة جهويا، صفة آمرين بالصرف جهويين، وكذا تمكين رؤساء التمثيليات الإدارية اللاممركزة تدريجيا من صلاحيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية الخاضعة لسلطتهم على الصعيدين الجهوي والإقليمي، علاوة على تنظيم مباريات موحدة لتوظيف الأطر المشتركة بين القطاعات الوزارية المعنية للعمل بالمصالح اللاممركزة التابعة لها.

الفقرة الثانية: أهــداف اللاتمركز الإداري

     يستهدف اللاتمركز الإداري السياسات العمومية بشكل أكثر نجاعة، مع تحسين أداء المرافق العمومية على مستوى المجال الترابي، وذلك من خلال نقل السلطة التقريرية ووسائل العمل من المركز إلى اعلى المجال الترابي، واتخاذ القرار على أساس مبدأ القرب من المرتفق وبسرعة وجودة وبأفضل كلفة لفائدة المجتمع....''([20]) .

وبناء عليه فإن ميثاق اللاتمركز الإداري يهدف لمصالح الدولة إلى تحقيق الأهداف التالية([21]):

      التطبيق الأمثل للتوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال إعادة تنظيم مصالحها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، وتحديد المهام الموكلة إلى هذه المصالح

      التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها

      مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة، القائم على الجهوية المتقدمة؛

       ضمان التقائية السياسات العمومية وتجانسها وتكاملها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، وتحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها؛

      تحقيق الفعالية والنجاعة في تنفيذ البرامج والمشاريع العمومية التي تتولى مصالح الدولة اللاممركزة، على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، الإشراف عليها، أو إنجازها أو تتبع تنفيذها؛

      تقريب الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة إلى المرتفقين، أشخاصا ذاتيين كانوا أو اعتباريين، وتحسين جودتها، وتأمين استمراريتها.

ويستند اللاتمركز الإداري لمصالح الدولة، على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، إلى مجموعة من المبادئ والآليات، على الخصوص نذكر منها :

الإنصاف في تغطية التراب الوطني من خلال ضمان التوزيع الجغرافي المتكافئ لمصالح الدولة اللاممركزة، والتفريع في توزيع المهام وتحديد الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة التابعة لها، وتخويل الجهة مكانة الصدارة في التنظيم الإداري الترابي وجعلها المستوى البيني في تنظيم العلاقة بين المستوى المركزي وباقي المستويات الترابية.

تتولى المصالح اللاممركزة للدولة على المستوى الجهوي مهمة السهر على تدبير المرافق العمومية الجهوية التابعة للدولة، وتنفيذ السياسات العمومية، والإسهام في إعداد وتنفيذ البرامج والمشاريع العمومية المبرمجة على صعيد الجهة.

       يتعين على السلطات الحكومية المعنية اتخاذ التدابير اللازمة لتمكين المصالح اللاممركزة التابعة لها من ممارسة صلاحيات تتيح لها اتخاذ المبادرة في تفعيل السياسات العمومية القطاعية المكلفة بتنفيذها، وابتداع الحلول الكفيلة بتجويد الخدمات العمومية التي تقدمها للمرتفقين، وتفعيل هذه الحلول في إطار الصلاحيات والاختصاصات المسندة إليها([22]).

المحوار الثاني  : مسـار اللامــركزية الادارية في المغرب

v  المطلب الاول : مســـــــــــــــار الجماعات الترابية والمجالس الاقليمية وفق اللامركزية الادارية

     عرف المغرب ثلاثة مستويات من اللامركزية الإدارية الإقليمية آو الترابية، المستوى الأول هو الجهات، والمستوى الثاني هو العمالات والاقاليم، والمستوى الثالث والأخير هو الجماعات الترابية حسب التسمية الأخيرة للقوانين التنظيمية، ولقد شهد المغرب منذ فجر الاستقلال، اهتماما متزايدا بموضوع اللامركزية، وهكذا انطلقت المرحلة الأولى لبناء هذه اللامركزية سنة 1960، بصدور ميثاق التنظيم الجماعي، وكذا قانون تنظيم مجالس العمالات والأقاليم سنة 1963، ثم مرحلة ثانية انطلقت سنة 1976 تميزت على الخصوص بصدور قانون جديد يعرف بظهير30 شتنبر1976([23])، ويعد هذا الأخير المؤسس للمشروع اللامركزي بمفهومه الحديث على مستوى البلديات والمجالس القروية، حيث أصبحت البلديات بمقتضى هذا القانون الجديد، كيانات تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي وبالشخصية القانونية، وبمجموعة واسعة من الصلاحيات ذات الصبغة الإدارية، وكذا الاقتصادية والاجتماعية. حيت أن هذه المرحلة لم تشهد أي تطور على مستوى مجالس العمالات والأقاليم التي ظلت طيلة هذه المدة محكومة بقانون 1963، وخلال عقد التسعينات، تم الارتقاء بالجهة إلى مؤسسات دستورية بمقتضى الفصل94 من دستور 1992 والفصل 100 من دستور 1996 ([24]).

وابتداء من سنة 1997، سيعرف التنظيم اللامركزي بالمغرب تطورا نوعيا على قدر كبير من الأهمية تمثل في صدور قانون 43/96 الخاص بإحداث وتنظيم الجهات، وبعد دلك القانــون رقم 79.00 المتعلق بالتنظيم العمالات والاقاليم بالمغرب الصادرين في 03 أكتوبر 2002، والقانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي في صيغته الجديدة، كما تم تعديله سنة 2009 والذي التي  بعدة مقتضيات جديدة ودلك لتعزيز اللامركزية، هدا بالإضافة إلى دستور2011 الذي عزز بدوره وبشكل كبير هدا التنظيم في العديد من فصوله بل أكثر من ذلك فقد خصص باب تحت عنوان "الجهة والجماعات الترابية الأخرى ''

الفقرة الأولى: مسار الجماعات الترابية بالمغرب وفق اللامركزية الإداري

       كان ظهير 12 يونيو 1960 المعتبر بمثابة قانون متعلق بالتنظيم الجماعي([25])، أول قانون يبدأ في وضع اللبنة الأساسية للامركزية الإدارية بالمغرب بعد الاستقلال، حيث حدد كلا من اختصاصات المجالس الجماعية المنتخبة من جهة والسلطة المحلية من جهة أخرى، كما احدث صنفين من الجماعات وهي الجماعات الحضرية التي كانت تتشكل من البلديات والمراكز المستقلة، والجماعات القروية، وفي هذا الباب نجد الفصل 20 الذي نص على أن القضايا المتخذ في شأنها مقررات لا تكون قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها السلطة الإدارية العليا، وعدد هده القضايا 15 قضية تبتدئ بالميزانية الجماعية وتنتهي بأحداث أو حذف او تبديل موضوع المعارض أو الأسواق وتاريخ إقامتها، كما ان الملاحظ في هذه التجربة الأولى هيمنة السلطة المحلية المتمثلة في القياد والبشاوات على التدبير اليومي للشأن المحلي([26]).

   وأمام الانتقادات الموجهة لهذا القانون، صدر الميثاق الجماعي30 شتنبر1976، واتى بعدة مستجدات خصوصا الارتقاء بالجماعة إلى مستوى فاعل اقتصادي واجتماعي حيث أصبحت تتدخل في هذه الميادين، وحمل هذا الميثاق مسؤوليات جديدة للمجلس الجماعي تشمل كل مجالات التنمية المحلية والتي تندرج في سياق الفصل30، ''يمارس رؤساء المجالس الجماعية الاختصاصات المخولة لهم بمقتضى هذا القانون بمجرد انتخابهم...''([27]) بالإضافة إلى تعزيز صلاحيات الرئيس ووضع حدا للتدبير المزدوج مما شكل تحولا مهما في مسار الجماعية بحيث تم نقل بعض اختصاصات السلطة المحلية إلى رؤساء المجلس الجماعية، وبالتالي تقليص دور السلطة المحلية، كما تم التخفيف من حدة الوصاية التي كانت تمارسها الإدارة نظرا لنضج فكرة اللامركزية.

       إلا أنه رغم ذلك فقد ظهرت صراعات على الاختصاصات بين السلطة المحلية من جهة ورؤساء المجالس المحلية من جهة أخرى، نظرا لغموض النص وتمسك كل طرف بالتفسير الذي يناسبه، من الانتقادات الموجهة أيضا إلى هذا الظهير ضعف مؤسسة الرئيس بسبب الفصل 7 المتعلق بإقالته. ومن بين المحطات المهمة التي مرة بها الجماعات الترابية هي سنة 2002 بصدور ميثاق جماعي جديد، والذي اتى بدوره بمستجدات مهمة، وأهمها إلغاء نظام المجموعة الحضرية وإقرار وحدة المدينة، التنصيص على نظام لحقوق ووجبات المنتخب الجماعي، زد إلى ذلك تطوير آليات التعاون والشراكة داخليا وخارجيا، كما جاء هذا الميثاق لضبط وتوسيع اختصاصات المجالس الجماعية ورؤسائها([28]).

هذه هي أهم الأشواط والمراحل التي قطعتها الجماعات الحضرية والقروية في ظل اللامركزية الإدارية بالمغرب، من جماعة ضيقة الاختصاص وهيمنة رجال السلطة المحلية إلى جماعة مقاولة ومواطنة.

أولا: علاقة المصالح اللاممركز للدولة بالجماعات الترابية وهيئاتها

من أجل مواكبة التنظيم الترابي للامركزية القائمة على الجهوية المتقدمة تتولى المصالح اللاممركزة للدولة تحت سلطة السلطات الحكومية المعنية وتحت اشراف والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم ممارسة المهام التالية:

«            تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي .

«            العمل على إرساء أسس الشراكة الفعالة مع الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية ذات الاختصاص الترابي في مختلف المجالات ولا سيما عن طريق ابرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة بناء على تفويض خاص مع التقيد بالتوجهات العامة للدولة وبرامج التنمية الجهوية المعتمدة .

«            المساهمة في تنمية قدرات الجماعات الترابية وهيئاتـها .

«            مواكبة الجماعات الترابية وهيئاتها في ممارسة الاختصاص الموكولة اليها ولا سيما في انجاز برامجها ومشاريعها الاستثمارية وتمكينها من كل اشكال المساعدة اللازمة .

«            تعزيز اليات الحوار والتشاور مع كافة المتداخلين على مستوى الجهة وعلى المستوى العمالة أو الإقليم .

ثانيا: الحماية التشريعية لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية من تدخلات السلطة المركزية

إن الحماية الدستورية والتشريعية لمبدأ وحدة الدولة ومبدأ التدبير الحر للجماعات المحلية في المغرب قادت إلى الاستنتاج بان الاستقلالية المعترف بها للجماعات الترابية في الدستور المغربي جاءت فضفاضة وبكيفية مطلقة وغير واضحة، أما في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية فما زالت محدودة بسبب قوة وهيمنة الوصاية التي تمارسها السلطة المركزية عبر ممثليها تحت مسمى المراقبة الإدارية (وصاية مقنعة) ولم تخول القوانين التنظيمية الضمانات الكافية للجماعات الترابية ورؤسائها لكبح تدخلات السلطة المركزية، بحيث نجد أنها قيدت جميع الاختصاصات الجوهرية للجماعات الترابية بالتأشيرة القبلية لممثل السلطة المركزية، وهو ما جعل استقلالية الهيئات اللامركزية محصورة في اتخاذ القررات فقط، في حين بقيت إمكانية تنفيذ قرراتها متوقفة على الموافقة القبلية للمثل السلطة المركزية أساسا([29]).

الفقرة الثانية: مسار مجالس العمالات والاقاليم وفق اللامركزية الإدارية بالمغرب

   عرف التراب الوطني بعد الاستقلال تقسيما إداريا وذلك بمقتضى الظهير المؤرخ بتاريخ 13 أكتوبر 1956 الذي قسم المغرب إلى 19 إقليم و5 عمالات، غير أن هذا الظهير لم يراع ظروف ما بعد الاستقلال مما جعل المشرع يتدخل بسرعة فأصدر الظهير المؤرخ بتاريخ 2 دجنبر 1959 الذي قسم البلاد الى 16 إقليما وعمالتين.

ويعد الإقليم وحدة إدارية لعدم التركيز الإداري من جهة كما يعتبر وحدة محلية لامركزية من جهة ثانية، والإقليم باعتباره وحدة ترابية لامركزية يدخل ضمن الجماعات الترابية، أي الوحدات اللامركزية المتمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري.

       غير أن اللامركزية الإقليمية تصطدم بمجموعة من العوائق، ويتعلق الأمر أساسا بتدخل السلطة المركزية وممثليها في الشؤون الخاصة بسير المجالس المنتخبة والدور المزدوج للعامل كممثل للسلطة المركزية وكجهاز تنفيذي للإقليم، وشدة الرقابة بالإضافة إلى قلة الموارد، الأمر الذي يحول دون تحقيق لا مركزية حقيقية.

وكان ظهير12 شتنبر1963أول قانون ينظم هذه الوحدة الترابية ويبين اختصاصاتها، وطبقا للفصل الأول من هذا الظهير فالعمالات والأقاليم جماعات إقليمية يجري عليها القانون العام وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وينص هذا الظهير على أن شؤون العمالة أو الإقليم يديرها المجلس الإقليمي وذلك طبقا للشروط المحددة قانونا، "الفصل 2". والمجلس يخضع من حيث نظام سير العمل به وكذا من حيث الرقابة المفروضة عليه لمقتضيات الظهير المذكور([30]).

ولقد حددت الفصول المتعلقة باختصاصات مجالس العمالات والأقاليم في الباب الرابع من هذا الظهير، وهي تشمل اختصاصات تقريرية وأخرى استشارية، وخلافا لما هو عليه في التنظيم الجماعي، فالتنظيم الإقليمي جعل من العامل الجهاز المنفذ لمقررات المجلس، وبذلك فالمشرع زوده باختصاصات جد مهمة.

وعدل ظهير 1963 بظهير شريف 1.02.269 صادر في 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ قانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم الجماعات والأقاليم، إلا أن هذا القانون لم يأتي بمستجدات جوهرية ترقى باللامركزية الإدارية إلى المكانة التي تستحقها في هذا المستوى، حيث مازال العامل هو الآمر بالصرف والمسؤول عن تنفيذ قرارات المجلس، وبالتالي فهناك من يطالب بإلغاء نظام العمالات والأقاليم لان ليس له أي تأثير على اللامركزية الإدارية.

ومن أجل مساعدة عمال الإقليم في ممارسة الاختصاصات الموكولة اليهم في مجال تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة والمؤسسة العمومية التي تمارس مهامها على مستوى العمالة أو الإقليم والسهر على حسن سيرها تناط باللجنة التقنية المحدثة بموجب احكام الفصل 5 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 المهام التالية([31]):

·      اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى العمالة أو الإقليم ولتامين استمرارية الخدمات العمومية التي تقدمها

·      مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة واشغال التجهيز المراد إنجازها على المستوى العمالة أو الإقليم واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات الذي قد تعترض إنجازها

·      تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على مستوى العمالة أو الإقليم.

·      ابدا الراي في شان مشاريع الاتفاقيات والعقود المنصوص عليها في المادة 23 من هذا المرسوم والمتعلق بالبرامج والمشاريع المزعم احداثها فوق تراب العمالة أو الإقليم

·      تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على مستوى العمالة أو الإقليم.

الفقرة الثالثة : مسار المجالس الجهوية وفق اللامركزية الإدارية بالمغرب

   يعتبر التنظيم الجهوي من الآليات التي استحدثها المستعمر الفرنسي لبسط حمايته على مجموع التراب الوطني، فقد شكلت الجهات وسيلة لبسط السيطرة العسكرية الفرنسية ولم تشكل مجالا للامركزية ومشاركة السكان حتى بعد بسط النفوذ العسكري الفرنسي على كل أجزاء التراب المغربي. وبعد الاستقلال تغيرت الخريطة الإدارية المغربية، ولم تعد هيكلة المجال الترابي قائمة على أساس الجهات، بل تم التخلي عنها لفائدة العمالات والأقاليم، وبالتالي لم تول السلطات العمومية العناية والاهتمام الكافي بالجهة، فالدولة المغربية الحديثة الاستقلال كان اهتمامها في البداية مطلبا أساسا على تكريس سلطتها سياسيا وإداريا، وذلك بهدف ضمان وحدة الدولة المستقلة واستمراريتها حيث بدت سياسة التقسيم الترابي كسياسة كفيلة بتحقيق التأطير الفعال للسكان وذلك من خلال ربط الاتصال بين المواطنين والدولة عن طريق رجال السلطة المتواجدين على رأس التقسيمات الترابية، فصدر ظهير 1959 الذي قسم المغرب الى عمالات وأقاليم([32]).

    أما الجهات التي تم خلقها سنة 1971 فلم تشكل إلا إطارا للعمل الاقتصادي وذلك بعد ما لم تعد البنية الاقليمية ملائمة بفعل التزايد السريع في عدد العمالات والاقاليم، إلا أن الجهات الاقتصادية السبع المحدثة في هذه الفترة لم تكن لها اختصاصات تقريرية بل كانت لها اختصاصات استشارية في المجال الاقتصادي فقط، بل اكثر من ذلك لم تكون لها اية شخصية معنوية ولا اي استقلال اداري ولا مالي، بل كانت الجهة آنذاك اطارا ترابيا لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي للجهات المحدثة، مع ذلك فلقد كان بعيدا عن عكس الطموحات المدعمة.

 من طرف السلطات العمومية والتي تم تأكيدها في العديد من المناسبات. وعلى العموم فالتجربة الجهوية التي سعى المشرع لإقامتها من خلال ظهير 1971 لم تستطيع مسايرة التطور الاقتصادي والسياسي للبلاد وذلك لما حملته من سلبيات وبالتالي كان لابد من التفكير في تطوير نظام الجهوية، وكان التعديل الدستوري لسنة1992 الفرصة المناسبة للرقي بالجهة كجماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والاداري، وهو ما كرسه دستور 1996 لكن تفعيل ذلك لم يكون الا مع ظهير2 ابريل 1997 الا ان تركيبته اتت شبيهة بتنظيم العمالات والاقاليم، فالأمر بالصرف والمنفذ لقرارات المجلس هو عامل عمالة مركز الجهة، وبالتالي ظلت ضعيفة من حيث مساهمتها في التنمية، لكن اصبح اليوم الحديث عن مشروع الجهوية المتقدمة، ومع دستور2011 عزز مكانة الجهة خصوصا واعتبارها تتبوء المكانة المتقدمة للجماعات الترابية الاخرى في ميدان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي واعداد التراب والتعمير، كما اسندت مهمة الامر بالصرف الى رئيس الجهة مكان العامل.

ويمثل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء بتاريخ 6 نونبر 2006 وخطاب تنصيب اللجنة الاستشارية الجهوية بتاريخ 3 يناير 2010 وخطاب 9 مارس 2011 للإعلان عن التعديلات الدستورية، أهم الخطب الملكية التي تبرز رؤية الدولة لتطوير النظام الجهوي بالمغرب واعتباره ورشا هيكليا لتحديث مؤسسات الدولة، مع تحديد ملامح هذه الجهوية المتلائمة مع الخصوصية المغربية، وذلك من خلال تحديد أربع مرتكزات كفيلة بتطوير التنظيم اللامركزي المحكوم بقواعد: الوحدة والتضامن والتوازن واللاتمركز الواسع، مع التشديد على ضرورة البناء التراكمي على الرصيد التاريخي للتجربة المغربية في مجال الجهوية وتجنب استنساخ التجارب المقارنة([33]).

وعمل الملك على الانتقال بالجهوية المتقدمة من التأطير القانوني للجهوية إلى التأطير الدستوري وانبثاق الجهوية من الإرادة الشعبية، وحرصا من الملك على إعطاء الجهوية كل مقومات النجاعة، فقد ارتأى إدراجها في إطار إصلاح دستوري شامل، يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة.'' وقد جاء دستور فاتح يوليوز 2011 ليكرس هذا التصور، وليضع القواعد الدستورية العامة المؤطرة للجهوية المتقدمة، فبالإضافة إلى ما نص عليه الفصل الأول من اعتبار التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، نص الفصل 136 على أن ''التنظيم الجهوي  والترابي للمملكة يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة''([34]).

أولا: الالــــتزام الحـكومي في هذا الجــانب

    ان البرنامج الحكومي الذي قدم خطوطه الرئيسية رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان والتي عقدت يوم الأربعاء 19 أبريل 2017، أشار بشكل واضح على أن الحكومة ستولي أهمية استراتيجية لهذا الإصلاح النوعي والمهيكل من خلال ما يلي:

·      اعتماد ميثاق اللاتمركز، وتفعيل اللاتمركز الإداري.

·      استكمال الترسانة القانونية والتنظيمية اللازمة لتفعيل مضامين القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية.

·      وضع آلية للتشاور والتتبع والتنسيق وضمان التنزيل الأمثل للجهوية المتقدمة عبر لجنة وطنية، لتتبع البرامج الحكومية والجهوية والتقييم الدوري للسياسات الترابية.

·      مواكبة الجماعات الترابية لبلوغ حكامة جيدة في تدبير شؤونها وممارسة اختصاصاتها، والإسراع في تحويل هذه الاختصاصات والموارد البشرية والمالية المرتبطة بها.

·      تفعيل صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات.

·      التسريع بإنجاز المخططات التنموية الجهوية والإقليمية والجماعية للتنمية ودعم تنفيذها في إطار تعاقدي مع الدولة.

·      مواصلة التنفيذ الأمثل لعقود البرامج الخاصة بالتنمية المندمجة للأقاليم الجنوبية.

 وشرعت الحكومة في العمل على تنزيل هذا الميثاق بشكل تدريجي، وفق خارطة طريق تعتمد مبدأ التدرج في تطبيق وتفعيل مضامينه داخل أجل زمني لا يتجاوز ثلاث سنوات (2020-2022)، مع إرساء آليات عملية لضمان فعالية ونجاعة هذا التنزيل، بما يحقق توزيعا متوازنا للاختصاصات والوسائل بين الإدارات المركزية للدولة ومصالحها اللاممركزة([35]).

 وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في مسار تنزيل مقتضيات الجهوية المتقدمة على المستويات التشريعية والقانونية والمؤسساتية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله لبلوغ الغاية المرجوة من هذا الورش الوطني الاستراتيجي، والمتمثلة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتحقيق الحكامة الترابية، من خلال تحلي الفاعلين السياسيين المركزيين والترابيين بالإرادة الحقيقية لتفعيل هذا الورش الطموح.

 وتشكل المناظرة الوطنية حول الجهوية الموسعة التي احتضنتها مدينة أكادير يومي 20 و21 دجنبر2019 مناسبة لتقاسم عناصر التشخيص المتعلق بالحصيلة الإجمالية لتنزيل الجهوية المتقدمة، وتحديد المداخل الأساسية لتحقيق نقلة نوعية في مسلسل تنزيلها، وتسليط الضوء على الإنجازات والتحديات التي تواجه الجهوية المتقدمة، وتبادل الممارسات الجيدة والتجارب المبتكرة.

والذي شارك فيها أزيد من1400 مشارك: (منتخبون وممثلو قطاعات وزارية وممثلو مؤسسات دستورية ومؤسسات عمومية وجامعيون وخبراء وفعاليات المجتمع المدني) والتي خلصت الى التوقيع على ما يلي([36]):

ü   ـالتوقيع على الإطار التوجيهي لتفعيل ممارسة اختصاصات الجهة

ü   تنظيم ست ورشات تنسجم مواضيعها مع أهداف الجهوية المتقدمة.

ü   تسليط الضوء على التنمية الجهوية المندمجة بين ضرورة تقليص التفاوتات المجالية ورهانات التنافسية واستقطاب الاستثمارات.

ü   تبني العدالة المجالية كأولوية في السياسات العمومية والترابية من أجل تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.

ü   إبرام عقود برامج بين الدولة والجماعات الترابية حول الاختصاصات المنقولة لضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية الجهوية وتعبئة الموارد الكافية لتنفيذها.

ثانيــا: مساهمة البرلمان المغربي (مجلس المستشارين) في تنزيل ورش الجهوية المتقدة

بالإضافة إلى الدور التشريعي الذي لعبه البرلمان بغرفتيه في إخراج القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، تميز مجلس المستشارين بمواكبته للتنزيل العملي لورش الجهوية المتقدمة بنقاش مؤسساتي هام تجلى في تنظيم “المنتدى البرلماني للجهات” بشكل سنوي، الذي عادة ما تؤطره الرسالة الملكية للمشاركين والمشاركات تتضمن أفكارا توجيهية تهدف إلى تطوير ودعم البناء المؤسساتي الجهوي بالمملكة، كما يتميز هذا المنتدى بمشاركة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الانسان وجمعية رؤساء الجهات وجمعية رؤساء مجالس الجماعات، بالإضافة إلى البرلمانيين منتخبي مجالس الجهات، وهو ما جعل مجلس المستشارين يمثل فضاء مؤسساتيا للحوار والنقاش بين مختلف الفاعلين في المسألة الجهوية.

بالنظر إلى الأدوار المنوطة بالجهات، ومن أجل القيام بها بشكل أمثل فإن هذه الأخيرة تحتاج الى الموارد المالية المستقلة حتى تستطيع تقديم المزيد من التطور، ذلك أن النقل الفعلي للاختصاصات الذاتية للجهات يستوجب أن يواكبه نقل الموارد المالية والبشرية المخصصة له كما ينبغي([37]) .

 كما ان نقل لاختصاص إلى الجهة يستوجب معه نقل الموارد البشرية من أجل تطوير الإدارة الجهوية لمواكبة المهام الجديدة للجهات في إطار تنزيل الجهوية المتقدمة؛ ويجب عدم ربط إنهاء عقود مديري إدارة الجهة بنهاية الولاية الانتدابية ضمانا لاستمرارية الإدارة واستدامة الفعل التراكمي للجهات.


الفقرة الرابعة: تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتمركيز الاداري

إن وظيفة رجل السلطة لا تقتصر على تمثيل الدولة في الجماعة التي يتواجد بها بل له من عدة الاختصاصات ما يجعله أحد الفاعلين الأساسيين في المجال الاقتصادي والإداري ويتبين ذلك من خلال مشاركته في جل القرارات ذات الطبيعة الاقتصادية المتخذة على المستوى المحلى .

يتوفر الوالي أو العامل على اختصاصات متنوعة وكثيرة يستمد مشروعيتها من الإطار الدستوري الذي يخول لهم صفة ممثل الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم.وبذلك أصبحت لهم وظائف تامين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية ويقوم الولاة والعمال تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.

لم يعد ممثلي الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم يمارسون أعمال إدارية فحسب بل أصبحوا بالإضافة إلى ذلك مكلفون بالتنسيق بين المصالح اللامتمركزة للإدارات المدنية التابعة للدولة والمؤسسات العمومية المتواجدة داخل النفوذ الترابي للولايات والعاملات غير أن دورهم لا ينحصر فقط في التنسيق بل يمتد كذلك إلى المبادرة والنهوض بتلك الأعمال والمصالح والإشراف عليها وتتبعها وذلك بتنسيق متبادل بينهم وبين السلطات المركزية حول المشاريع المزمع انجازها في تراب الولاية والعمالة وكذا مستويات تنفيذ تلك المشاريع([38]).

    لقد أجاز مرسوم20 أكتوبر1993 الذي عولت عليه كثيرا السلطات المغربية في تحديث الإدارة للوزراء إمكانية للعمال لتدبير بعض الأمور الداخلة في اختصاصاتهم وان يتولوا التوقيع باسمهم والتأشير على جميع القرارات المتعلقة بأعمال المصالح الخارجية التابعة لهم ضمن الحدود الداخلة في اختصاصاتهم الترابية، ولضمان نوع من التنسيق في المشاريع المراد انجازها لاسيما أن تراب الولاية أو العمالة تضم العديد من المتدخلين إلى جانب رجال السلطة من ممثليات الوزارات والمؤسسات العمومية الجهوية أو المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص فان الضرورة ألحت إيجاد وسيلة عمل تجمع كل هؤلاء المتدخلين، ومن هنا جاء التنصيص على اللجنة التقنية التي تضم إضافة إلى العامل بصفته رئيسا، الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ورؤساء الدوائر ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المركزية التابعة للدولة، مديري المؤسسات العامة المتواجدة بتراب العمالة أو الإقليم كل شخص من ذوي الدراية والأهمية والذي بإمكانه تقديم خدمات في هذا الإطار.

إضافة إلى تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتركيز، فان الدستور المغربي لسنة 2011 قد ارتقى بالوضعية القانونية لمندوبيات الوزارات على المستوى الترابي من المصالح الخارجية إلى المصالح اللاممركزة تعزيزا لسياسة اللاتركيز.



([1])- دكتور رشدي عبد العزيز _ دكتور في القانون العام _باحث في قضايا التعمير والإدارة المحلية

([2])- نص الخطاب السامي الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء

([3]) - المرسوم رقم 618-02-17الصادر في 26 دسمبير 2018 بمثابة مثاق وطني للاتمركز الإداري.

([4])- خطاب الملك بتاريخ 13 أكتوبر 2017 بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية .

([5])- الباب الاول احكام عامة _ المادة الأولى_ من المرسوم المشار اليه أعلاه

 

([6])- اندري دولوبادير دكتوراه في القانون وأستاذ مشارك عام 1936، وأصبح أستاذاً في كلية الحقوق بباريس عام 1951.

([7])- الدكتور رشدي عبد العزيز، دكتور القانون العام وباحث في قضايا التعمير والادارة المحلية

([8])- كوثر رغوي طالبة باحثة في سلك الدكتورة قانون العام _ مختبر البحث في الدراسات القانونية والفقهية والاقتصادية جامعة محمد الخامس سلا

([9])- الفصل 145 من دستور 2011

([10])- مرسوم رقم 618_17_02 الصادر في ربيع الثاني 1440 ه/ الموافق 26 ديسمبير 2018 بمثابة مثاق وطني للاتمركز الإداري، المادة السابعة منه

([11])- دستور المملكة 2011_الفصل 140 _اختصاصات الجماعات الترابية.

([12])- القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات الترابية /منشور لجريدة الرسمية تحت عدد 6380_ 06 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015

([13])- المادة 85 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية

([14])-الفصل 69 من الميثاق الجماعي 2009

([15])-القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية_ المادة 118 /منشور لجريدة الرسمية تحت عدد6380_ 06 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015

([16])- القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات منشور بالجريدة الرسمية تحت عدد 6380_ 06 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015

([17])- القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم منشور بالجريدة الرسمية تحت عدد 6380_ 06 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015

([18])- القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات الترابية /منشور بالجريدة الرسمية تحت عدد 6380_ 06 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015

([19])- المادة 26 من المرسوم المشار إليه أعلاه.

([20])- امل بلشقرد _ تدبير الجماعات الترابية للمشاريع

([21])- مرسوم 2.17.618 بمثابة ميثاق للاتمركز الإداري_ الأهداف _ مرجع سايق

([22])- لقانون رقم 59 -11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية والصادر في 21 نونبر 2011).

([23])- الظهير الشريف رقم 1.76.584 الصادر بتاريخ 05 شوال 1396 الموافق 30 شتنبير 1976

([24])- القانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات والاقاليم صارد في 30 أكتوبر 2002

([25])- 30_ظهير 12 يونيو 1960_ بمثابة قانون يتعلق بالنظام الجماعي

([26])- الفصل 20 من ظهير 12 يونيو 1960 المتعلق بالنظام الجماعي.

([27])- الفصل 30 من ظهير 1960 المشار اليه أعلاه.

([28])- ظهير شریف رقم 271.02.1 بتاریخ 25 رجب1423/3أكتوبر2002 (بتنفیذ القانون رقم00.78 المتعلق بالمیثاق الجماعي، منشور بالجریدة لرسمیة عدد5058 بتاریخ21نونبر2002،ص.3468.

([29])- تمثيليات إدارية مشتركة بين قطاعين وزاريين أو أكثر متناسقة ومتكاملة الأهداف؛ - تمثيليات إدارية قطاعية اعتبارا لحجم وتنو ع المهام المنوطة fiا؛ ويمكن عند الإقتضاء إحداث بنيات إدارية للإشراف وإنجاز مشاريع ومهام مؤقتة وإ·اء مهامها...".

([30])- ظهير 12 يونيو 1960_ بمثابة قانون يتعلق بالنظام الجماعي_الفصل الثاني منه

([31])- الفصل 5 من ظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168

([32])- تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول:" التوزيع المجالي للاستثمار العمومي في أفق الجهوية المتقدمة ودور المراكز الجهوية للاستثمار في 46 إعداد وبلورة المخططات التنموية على الصعيد الجهوي وتعزيز الاستثمار وتحسين مناخ الإعمال على صعيد الجهة"، إحالة رقم /17 2015، الصفحة 15 منشور بموقع المجلسwww.ces.ma

([33])- المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: تقرير برسم سنة 2016،منشور الجريدة الرسمية عدد 6641 بتاريخ 4 جمادى الأولى 1439 موافق ل 22 يناير 56 556. الصفحة، 2018

([34])- الفصل 136 من دستور 2011 القواعد الدستورية العامة المؤطرة للجهوية المتقدمة

([35])- ظهير شريف رقم 18-19-1 صادر في 07 جمادى الآخرة 1440 موافق لـ13فبراير2019 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار واحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار. منشور بالجريدة الرسمية رقم 6754 بتاريخ21 فبراير 2019،الصفحة.8

([36])- مخرجات المناضرة الوطنية حول الجهوية الموسعة باكدير يومي 20 و21 دجنبر 2019

([37])-عبد الكبير يحيا: تقسيم التراب والسياسة الجهوية بالمغرب، نحو اعتماد جهوية سياسية: منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية 55 والتنمية: سلسلة مؤلفات جامعية، العدد8.

([38])- ظهير شريف رقم 11-15-84 المتعلق بالعمالات والأقاليم صادر في 10 رمضان 1436 07 )يوليو2015 (بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112 -14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، منشور بالجريدة الرسمية عدد6380 بتاريخ يوليو 23 2015.

إرسال تعليق

أحدث أقدم