الحركة الانتقالية لموظفي الجمارك في سياق خطاب العرش المجيد - خالد شهيم




بقلم خالد شهيم

عرفت إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة خلال الأيام القليلة الماضية حركية انتقالية شملت أعدادا كبيرة من الموظفين في إطار تفعيل مقتضيات الفصل السابع من مرسوم 22 ديسمبر 2020 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة و التي أكدت على أن: « لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة الحق في مباشرة انتقالات موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، مع مراعاة الحالة العائلية للمعنيين بالأمر ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة.
في هذا الإطار، تجري إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة للموظفين الخاضعين لهذا النظام الأساسي حركية جغرافية ووظيفية :
إما بطلب من الموظف؛
أو بمبادرة من الإدارة، كلما دعت ضرورة المصلحة إلى ذلك، من أجل تحقيق التوازن في توزيع وإعادة انتشار الموظفين. »

و إذا كانت إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة قد ابتغت من وراء هذا النص إضفاء المشروعية على قراراتها في تنقيل موظفيها - على اعتبار أن قانون الوظيفة العمومية لا يسمح بمثل ذلك لما قد تتسم به هذه القرارات من طابع تنظيمي - فإن سعيها ذاك لم يحالفه الصواب لاعتبارات نوردها كالتالي:

·        اقتران موضوع التنقيل بمسمى "الحركية السنوية" في القرارات المنشئة له بالمخالفة لما هو مُضَمَّن في الفصل السابع المشار إليه أعلاه، حيث لم يشر المشرع إلى مسألة السنوية هاته في الفصل السابع بقدر ما أشار إلى ضرورة وجود مصلحة تقتضي النقل، مما ينم عن خلفيةٍ نفسيةٍ من مصدر القرار تتجاوز إرادة المشرع الذي ربط النقل بدواعي المصلحة. و بالتالي تغدو الحركة السنوية في هذه الحالة غاية في حد ذاتها و ليس وسيلة لتحقيق المصلحة العامة،  فيكون القرار المنشئ لها قرارا تنظيميا لتعلقه بمرور مدة معينة يصير معها أمر التنقيل تلقائيا، و هو ما نصت عليه الرسالة المولوية السامية للملك الراحل الحسن الثاني إلى الوزير الأول آنذاك و التي أمر فيها جلالته بحركية المسؤولين بعد قضائهم أربع سنوات في مناصب المسؤولية، حيث العبرة في القرار بقضاء مدة معينة مما يجعله تنظيميا في درجته يعلو القرارات الإدارية الفردية. من هذا المنطلق كان لزاما على إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ممثلة في مديرية الموارد البشرية، أن تعي الفرق بين القرارات الفردية و القرارات التنظيمية الأمر الذي يطرح على المحك طبيعة التكوين الخاص بأطر هذه المديرية؛

·        تعميم الحركية الانتقالية على الموظفين الذين رفضوا طلب الإدماج بالنظام الأساسي لهيئة موظفي الجمارك، و هو ما يعد مخالفة صريحة للفصل السابع الذي جاءت عبارته كالتالي: «في هذا الإطار، تجري إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة للموظفين الخاضعين لهذا النظام الأساسي حركية جغرافية ووظيفية ....» و لعل هذا ينم عن طابع انتقامي إن لم يكن جهلا بالقانون، و  هو في كلتا الحالتين  عذر أقبح من ذنب؛

·        غموض مفهوم المصلحة العامة لدى مصدر قرار النقل الجماعي، إذ بحسب الفقرة الأخيرة للفصل السابع كما سبقت الإشارة إليه، تكون الحركية الوظيفية و الجغرافية التي تجريها الإدارة بمبادرة منها مقررة كلما دعت ضرورة المصلحة إلى ذلك من أجل تحقيق التوازن في توزيع و إعادة انتشار الموظفين. و هذا يعني أن نقل الموظفين لا يكون إلا إذا تم فقدان التوازن، أما إذا كان تنقيل مجموعة كبيرة من الموظفين من مديرية جهوية معينة و استبدالهم بعدد مماثل من الموظفين تم استقدامهم من مديرية جهوية أخرى، فلا يعدو هذا الأمر أن يكون عبثا في التسيير لا غير، من شأنه تفقير ميزاية الدولة من خلال المبالغ التي تخصص لكل موظف كبدل التنقل من جهة أولى، و من شأنه كذلك أن يحبط مجهودات الدولة الاحترازية لتفادي الوباء المتفشي من جهة ثانية بشهادة عاهل المملكة الذي قال ضمن خطابه السامي بمناسبة الذكرى 22  لعيد العرش المجيد: «  و رغم كل هذا، لا بد من التنبيه إلى أن الوباء مازال موجودا، وأن الأزمة مازالت مستمرة. وعلى الجميع مواصلة اليقظة، واحترام توجیهات السلطات العمومية، في هذا الشأن »، ثم إنه من جهة ثالثة يذكي الشعور بعدم الانتماء من خلال ما يفرضه على ذهن الموظف من شرود في أحوال الأسرة و الزوجة و الأبناء بدل التركيز المنبثق عن الشعور بالاستقرار. وهذا ما يتقاسمه جلالة الملك مع رعاياه المستضعفين سواء من جراء آلام الجائحة أو من جراء آلام القرارات غير المحسوبة العواقب، حيث يستطرد جلالته في خطابه قائلا: «إنها مرحلة صعبة علينا جميعا، وعلي شخصيا وعلى أسرتي، كباقي المواطنين، لأنني عندما أرى المغاربة يعانون، أحس بنفس الألم، وأتقاسم معهم نفس الشعور»؛

·        ضعف تسيير الموارد البشرية بالنظر إلى ضعف الكفاءات مثلما أبان عن ذلك تقرير النموذج التنموي الجديد، حيث تحد الحركية الانتقالية بالشكل الذي تم سرده أعلاه على تسريع الإقلاع الاقتصادي بما يطرحه تخلف الجمركي عن مسايرة المهام في الأماكن المنقل إليها و على توطيد المشروع المجتمعي الذي نريده لبلادنا على حد تعبير جلالة الملك.

و لما كان تقرير النموذج التنموي الجديد قد أقر بضعف تدبير الموارد البشرية، فقد أخذ جلالة الملك على عاتقه أمر تنفيذه فقال في ذلك: « وبصفتنا المؤتمن على مصالح الوطن والمواطنين، سنحرص على مواكبة هذا التنزیل، بما يلزم من إجراءات وآليات.« و لربما كانت من هذه الإجراءات إعادة هيكلة إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة بمسؤولين أكفاء عند حسن ظن جلالة الملك.

5 تعليقات

  1. مصلحة الوطن تقتضي استبدال وتغيير المشرف على الموارد البشرية في هذه المديرية باعتباره المسؤول الأول على الاحتقان وتشريد الأسر وباعتباره يغرد خارج التوجيهات الملكية وخارج سياق الظرفية الحالية ولا يبالي بالمعطى الاجتماعي !

    ردحذف
  2. حسبي الله ونعم الوكيل هدا ردي

    ردحذف
  3. اودي ادارة كتمارس القمع والعنصرية وباك صاحبي لا عون لنا ولا سند الا الله تعالى وصاحب الجلالة اما ما تبقي مكائن غ باك صاحبي

    ردحذف
  4. الأسباب الخفية وراء هذه الحركية السنوية هي الاستفادة من قنوات جديدة قصد تلقي الرشاوي و المتاجرة بالتنقيلات

    ردحذف
  5. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بالفعل شكلت الحركة الانتقالية السنوية التي سنتها إدارة الجمارك المغربية خلال السنوات الاخيرة، استياء عميقا لدى المعنيين بالامر، وكذا اسرهم، بل وشملت حتى الذين لم يمسهم هذا التنقيل، لان دورهم في السنوات القادمة سيأتي....والأستاذ الباحث خالد شهيم، من خلال مقاله هذا، لمس جوهر المشكل في تسيير المرفق العمومي، الذي لا يستنذ على نص قانوني او تدبيري ولا حتى على التعليمات والتوصيات الملكية التي توصي بالاخذ بعين الاعتبار العامل الاجتماعي والانساني
    فكيف يعقل نقل جمركي او جمركية من الجنوب الى الشمال ومن الشرق الى الغرب، دون مراعات للجانب النفسي والاجتماعي والانساني والمالي وتشتيت الشمل لهؤلاء.؟
    كيف جر ٥٠٠ فرد بجرة قلم وتشتيتهم في جهات المملكة؟ كيف لم يفكر المسؤولون عن هذا التنقيل التعسفي دون الأخذ بعين الاعتبار الحالة الوباءية؟ كيف يسمحون لأنفسهم تنقيل جمركيين وهم قابعون لسنين في الادارة المركزية؟ كيف المطالبة بالمردودية في حين ان الجمركي او الجمركية المنقلين سيحضرون باجسادهم دون روح ؟ كيف ان الإدارة تتبجح بانها ادارة إلكترونية ولم تستطع ترك الموظف في مكانه ومعالجة بيانات لمدينة اخرى؟
    كيف لم تنصت لمن كان يرغب في التنقل وارغمت اخرين لا يحبذونه؟ كيف ننقل جمركي او جمركية بلغوا من السن عتيا؟
    كيف ان المواطن كان يشتكي من الادارة والان الموظف يعاني من الادارة السيءة للموارد البشرية؟
    اتمنى ان تراجع الادارة حساباتها وتعيد النظر في مصالحها المركزية المكلفة بالموارد البشرية؟
    الله، الوطن والملك لن يقبلوا تشتيت شمل الأسرة الجمركية المغربية بهذه الطريقة غير المدروسة.

    ردحذف
أحدث أقدم