نشأة الجمعيات بالمغرب



حليم صفور- دكتور باحث في القانون العام والعلوم السياسية
تقديم
      تعتبر الجمعيات من أهم مكونات وفعاليات المجتمع المدني، وسمة أساسية ومميزة للمجتمعات المعاصرة، تستمد مشروعيتها من المجتمع وتعمل على تحقيق طموحاته وتطلعاته بطريقة جماعية وبشكل تشاركي يحترم خصوصيات كل فئات المجتمع.
   كما يرتكز العمل الجمعوي على استثمار العنصر البشري في إطار ما يسمى بالعمل التطوعي بعيدا عن قوانين وقيم اقتصاد السوق، التي ترتكز على الإنتاج والاستهلاك والربح والاحتكار والمنافسة.
 فهو مبني على التطوع، والمشاركة والمبادرة والقوة الإقتراحية والعمل الإرادي، فهو يؤثث لمجتمع يحترم ويمجد القيم الإنسانية ويحرص على ضرورة إشراك جميع فعاليات المجتمع في تدبير شؤونه. ولعل أول ظهور للجمعيات، كإطار قانوني وتنظيمي للممارسات الاجتماعية في العالم كان في إنجلترا.
في المغرب عرف إنشاء وتأسيس الجمعيات تطورا مطردا منذ فترة ما قبل الحماية حيث كانت مهمة تأطير المجتمع تقوم بها الزوايا و المساجد و الطرق الصوفية إضافة  إلى التشكيلات الحرفية. بعد ذلك وفي فترة الحماية نمى وترعرع العمل الجمعوي في أحضان الحركة الوطنية ، والذي شكل بالنسبة إليها مرتعا خصبا استفادت منه في الدعوة للإصلاح والمطالبة بالاستقلال و المقاومة المسلحة، وفي تكوين وتخريج العديد من الرموز التاريخية.
بعد الاستقلال تطور العمل الجمعوي بشكل كبير، حيث عرف انتشارا واسعا، ولم يعد فقط ظاهرة ثقافية أو تربوية أو رياضية أو فنية، بل أصبح ظاهرة اجتماعية يعبر عن حاجة أعمق لدى عدد كبير ومتعاظم من المثقفين و المتعلمين.
1.   مفهوم الجمعية
برجوعنا إلى الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر بتاريخ 3 جمادى الأولى 1378 الموافق 15 نونبر 1958، نجد أن المشرع المغربي قد عرف الجمعية في الفصل 1 بأنها " اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم، ويجري عليها فيما يرجع لصحتها القواعد القانونية العامة المطبقة على العقود والالتزامات".
و يكمن تعريف الجمعية كذلك بالرجوع إلى الفصل الأول من قانون 75.00 بأنها اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم.
من خلال تعريف المشرع المغربي للجمعية، هناك ثلاثة عناصر أساسية وهي الاتفاق من أجل التعاون، الاستمرارية في التعاون، ثم الهدف من التعاون، فبدون تحقيق هذه الشروط مجتمعة لا يمكن أن نتحدث عن جمعية.
·       الاتفــــــــــــــاق
يعتبر الاتفاق أهم عنصر في تأسيس جمعية معينة، فبدون اتفاق لا يمكن أن تخرج جمعية إلى حيز الوجود، فعبره يقوم شخصان أو أكثر بتعاون مستمر لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم.
ويدل مصطلح الاتفاق على وجود عدة أشخاص (على الأقل اثنين)، بحيث لا يمكن لشخص واحد أن يؤسس جمعية، ويجب أن يكون الأعضاء سواء المؤسسين أو المسيرين متمتعين بالأهلية القانونية.
كما يسمح القانون لكل عضو داخل جمعية لم تؤسس بعد أن ينسحب منها في السنة الجارية وذلك بصرف النظر عن كل شرط مخالف. 
·       الاستمرارية
إن شرط الاستمرارية هو الذي يميز الجمعية عن الاجتماع العمومي الذي يعد اجتماعا مؤقتا، فعنصر الاستمرارية يخول للجمعية الطابع العضوي أي أنه يؤدي إلى وجود مؤسسة ينتمي إليها الأعضاء بصفة قانونية، إلا أنه مع ذلك يعد عنصرا نسبيا فالجمعية يمكن أن تؤسس لمدة محددة ترتبط بتحقيق هدف معين بحيث إذا تحقق هذا الهدف أصبحت غير ذات موضوع.
·       الهدف
يشترط في هدف الجمعية أن يكون مشروعا، ولغاية غير توزيع الأرباح.
2.   كرونولوجيا  تأسيس الجمعية
ما يمكن قوله عن الظهير الشريف لسنة 1958 ، الذي ينص على الحق في تأسيس الجمعيات في المغرب، هو أنه شكل ثورة حقيقية ولحظة تاريخية جد هامة من تاريخ المغرب المستقل، لحظة جسدت الوفاء بالعهد الذي قطعه المرحوم محمد الخامس، من أجل البداية المتألقة لتأسيس وترسيخ دولة الحق والقانون وإقرار مبدأ حرية الاجتماع وحرية التأسيس والانخراط في الجمعيات المغربية.
وحقا كانت نموذجا للخيار الديمقراطي الواعي ببناء مجتمع تسوده الحريات وينعم فيه المواطنون بكل الضمانات للتعبير والتجمع، وقد جاءت الدساتير المغربية المتعاقبة ابتداء من دستور 1962 لتعزيز هذا القانون، وتثبيت خيار الديمقراطية وبناء المجتمع المتمتع بالحرية من خلال توطيدها لحرية تأسيس الجمعيات وتوفير كل المقومات المالية والإدارية التي تمكنها من القيام بأنشطتها بكل حرية وشفافية، وذلك عبر التأكيد على حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، وتمكينها من الضمانات اللازمة في ظل احترام القانون طبعا.
        كما حدد دستور 1963 الحقوق الفردية والجماعية من قبيل حق التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة و حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع، وأخيرا حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أي منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم، ولا يمكن وضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون.
وقد أضاف دستور 1992 في ديباجته التأكيد على تشبت المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
إضافة إلى ذلك، تنامت أنشطة الجمعيات لتطال ميادين كانت فيما مضى حكرا على الدولة و الأشخاص العمومية، حيث نشطت في مجال التنمية، البيئة، حقوق الإنسان، محاربة الرشوة، الفساد و حماية المستهلك و الفئات الاجتماعية المهمشة .
و في هذا السياق يقول جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش بتاريخ 31 يوليوز 2000: « إننا نشيد بالدور الفاعل للمجتمع المدني الذي أبان عن انخراطه الفاعل في محاربة الفقر و التلوث و الأمية  مما يجعلنا ندعو السلطات العمومية و الجماعات المحلية و سائر المؤسسات العامة و الخاصة إلى أن تعقد معه كل أنواع الشراكة و تمده بجميع أشكال المساعدة.»
        نص دستور2011 كذلك على الدور الأساسي الذي يلعبه المجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية، حيث  نص الفصل 12، على أن جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تُؤسس وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. ولا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي.
     كما أن الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، تُساهم في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون،  وأن يكون تنظيمها وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية.
3.   شروط تأسيس الجمعية
·       شرط التصريح للسلطة الإدارية
يلزم على كل جمعية أن تقدم تصريحا إلى مقر سلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال، وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به ، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء، وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها، يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما. وفي حالة عدم تسليمه داخل الأجل، جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها.
يتضمن التصريح ما يلي:
-        اسم الجمعية وأهدافها؛
-        لائحة بالأسماء الشخصية والعائلية وجنسية وسن وتاريخ ومكان الازدياد ومهنة ومحل سكنى أعضاء المكتب المسير؛
-        الصفة التي يمثلون بها الجمعية تحت أي اسم كان؛
-        صورا من بطائقهم الوطنية أو بطائق الإقامة بالنسبة للجانب ونسخا من بطائق السجل العدلي.
-        مقر الجمعية؛
-        عدد ومقرات أحدثته الجمعية من فروع ومؤسسات تابعة لها أو منفصلة عنها تعمل تحت إدارتها أو تربطها بها علاقات مستمرة وترمي إلى القيام بعمل مشترك.
·       شروط عقد الاتفاق لتأسيس الجمعيات
وضع المشرع عدة شروط من أجل صحة الاتفاق الذي يحصل بين شخصين أو أكثر لتأسيس جمعية من الناحية القانونية:
-        تأسيس الجمعية لهدف مشروع
من الواضح أن يكون الغرض الذي تهدف إليه الجمعية مشروعا، فكل جمعية تؤسس لغاية أو هدف غير مشروع يتنافى مع القوانين والآداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة، ومعناه أنها تكون عديمة المفعول.
-        تأسيس الجمعية لهدف غير توزيع الأرباح
إذ كان المشروع قد سمح للجمعية بالحصول على بعض المداخيل الناتجة عن الأنشطة أو البرامج،  فإنه يتعين توظيفها في تنظيم وتسيير الجمعية بما يخدم مصلحتها ومصلحة العامة، وليس توزيعها على الأعضاء.
-        أهلية الأشخاص المؤسسين أو المسيرين
  لا يمكن لشخص بمفرده أن يؤسس جمعية ، بل لابد أن يقوم بذلك مجموعة أشخاص ويلزم إضافة إلى ذلك تمتعهم بالأهلية القانونية .
4.   الانخراط في الجمعية
لكل مواطن الحق في الانخراط في أي جمعية بكل حرية وحسب قناعته وتوجهاته الإيديولوجية و  الفكرية، وهذا الحق مكفول لكل المواطنين بمقتضى الدستور في الفصل 29 الذي ينص في فقرته الأولى على حريات الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي، و تأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي و السياسي مضمونة، و يحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.
        حيث يجوز لكل إنسان أن يكون بحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون، و الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، و لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما.
لكن في مقابل هذه الحرية، هناك أشخاص حرمهم القانون هذا الحق لاعتبارات معينة، وهم أشخاص يتميزون بصفات خاصة نظرا لشغلهم مناصب معينة، وهم العسكريون العاملون، الموظفون في الشرطة، أعوان القوات المساعدة، حراس السجون، الضباط وحراس الغابة، أعوان مصلحة الجمارك العاملين. بالإضافة إلى حملة السلاح هناك المواطنين ذوي السلطة، كما أن الأشخاص المجردين من الحقوق الوطنية لا يحق لهم الانخراط بأي جمعية.
أحدث أقدم