دور مجلس المنافسة في حماية الاقتصاد الوطني


بقلم محمد أحتيتيش - طالب باحث حاصل على شهادة الماستر في التدبير الاداري للموارد البشرية و المالية للإدارة.

مقدمة:                   

لقد دشنت المملكة المغربية عهدا جديدا في مسار بناء صرحها الديمقراطي و تعزيز أسس دولة الحق و القانون من خلال إصدار دستور فاتح يوليوز 2011، هذا الأخير الذي تضمن عدة مستجدات لعل أهمها الباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة.
و في هذا الإطار يندرج مجلس المنافسة باعتباره إحدى هيئات الحكامة الجيدة و التقنين. و هو حسب الفصل 166 من الدستور، هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة و مشروعة بضمان الشفافية  و الإنصاف في العلاقات الاقتصادية و ضبط وضعية المنافسة في الأسواق، و مراقبة الممارسات المنافية لها و الممارسات التجارية غير المشروعة و عمليات التركيز الاقتصادي و الاحتكار.
ويعتبر القانون رقم 20.13[1] الصادر سنة 2014 الإطار القانوني لهذه المؤسسة الدستورية، التي تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي، إلى جانب القانون [2]104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة.
و تتجلى أهمية هذا المجلس من خلال الدور الهام المنتظر أن يلعبه في ترسيخ الحكامة الاقتصادية الجيدة و الحد من الممارسات غير المشروعية، و ضمان النزاهة و الشفافية في الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى حماية المستهلك.
على ضوء ما سلف من أفكار، نطرح للمناقشة الإشكالية التالية: إلى أي حد سيساهم مجلس المنافسة في تحقيق الحكامة الاقتصادية وتكريس المنافسة الحرة و النزيهة على مستوى الاقتصاد الوطني؟
سنحاول الإجابة عن الاشكالية السابقة من خلال التصميم التالي:
المحور الأول: اختصاصات و تنظيم مجلس المنافسة.
المحور الثاني: دور مجلس المنافسة في تخليق الحياة الاقتصادية و تحديات التفعيل.


المحور الأول: اختصاصات و تنظيم مجلس المنافسة.

أولا: الاختصاصات.

أسند القانون رقم 20.04  المتعلق بمجلس المنافسة جملة من الاختصاصات الى هذه المؤسسة الدستورية، تتمثل بالأساس في تمتعه بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة و مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي. بالإضافة إلى كونه مكلف بإبداء أرائه بشأن طلبات الاستشارة المتعلقة بحرية الاسعار و المنافسة، و إصدار دراسات بخصوص المناخ العام للمنافسة.
كما يمكن لهذه المؤسسة توجيه توصيات إلى الإدارة لتفعيل التدابير اللازمة لتحسين السير التنافسي للأسواق. و من قبيل المهام التي ينهض بها مجلس المنافسة أيضا، إمكانية تقديم الاستشارة إلى اللجن الدائمة للبرلمان، و الحكومة و مجالس الجماعات الترابية و الغرف المهنية و جمعيات المستهلكين و المنظمات النقابية و المهنية و هيئات التقنين القطاعية في كل مسألة متعلقة بالمنافسة.
و يمكن له أيضا أن يستشار من طرف المحاكم في شأن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة و المثارة في القضايا المعروضة عليها. علاوة على ذلك فان المجلس يستشار وجوبا من طرف الحكومة في مشاريع النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم يهدف إلى فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى السوق[3].
و ما تنبغي الاشارة إليه أن القانون الجديد لمجلس المنافسة قد وسع صلاحيات هذه المؤسسة، إلى جانب الانتقال من مجرد  ممارسة دور استشاري في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة الحرة و النزيهة، إلى التمتع بسلطة تقريرية في نطاق اختصاصاته، وبذلك يكون المشرع قد صار على هدى بعض التشريعات المقارنة في هذه النقطة بالذات.

ثانيا: تأليف المجلس وتنظيمه.

يتركب مجلس المنافسة من رئيس و أربعة نواب للرئيس، و ثمانية أعضاء مستشارين. و هؤلاء الأعضاء من ذوي الاختصاص التالي: عضوان من القضاة نائبان للرئيس، أربعة أعضاء من الميدان الاقتصادي أو المنافسة،  عضوان من المجال القانوني أحدهما نائب للرئيس، ثلاثة أعضاء من ميدان الانتاج أو التوزيع أو الخدمات، ثم عضو من ميدان حماية المستهلك.
أما بالنسبة لطريقة تعيين الهياكل السابقة الذكر، فان الرئيس يعين بموجب ظهير شريف لمدة  خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، فيما يعين الأعضاء الآخرون بمرسوم لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، باقتراح من المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالنسبة إلى العضوين القاضيين، و من السلطة الحكومية  المختصة بالنسبة إلى الأعضاء الآخرين[4].
وضمانا تنزيل مبادئ الشفافية و النزاهة فقد أوجب القانون المتعلقة بمجلس المنافسة على كافة الأعضاء أن يتوقفوا أثناء مزاولة مهامهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، كما يجب عليهم توقيف مشاركتهم في أجهزة الإدارة والتسيير بالمنشآت الخاصة أو العمومية الهادفة إلى تحقيق الربح؛ فضلا عن التصريح بممتلكاتهم طبقا للفصل 158 من دستور 2011.
و الملاحظة التي يمكن تسجيلها بخصوص تركيبة المجلس، هي تنوع مجالات إختصاص أعضائه، بحيث عمل المشرع من خلال هذه التركيبة الجديدة على اختيار الأعضاء الذين تتوفر فيهم الخبرة والكفاءة اللازمة لمعالجة إشكاليات تقنية دقيقة تتطلب دراية تامة بخبايا الشأن الاقتصادي، كما يتبين من خلال هذه الهيكلة أيضا،  أن المشرع قد عمل على تكريس مبدأ الشفافية والمصداقية، ومبدأ الخبرة والتخصص، كما أنه لم يغفل الجانب المتعلق بحماية المستهلك.

المحور الثاني: دور مجلس المنافسة في تخليق الحياة الاقتصادية و تحديات التفعيل.

أولا: الرهانات.

لقد شكل دسترة مجلس المنافسة، و تأهيله لممارسة سلطة التقرير في ميدان اختصاصاته المرتبطة بمجال حماية المنافسة، بالإضافة إلى توسيع هذه الأخيرة (أي الاختصاصات)، نقطة محورية في مجال محاربة الممارسات المنافية للمنافسة الحرة، ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي و ضمان الشفافية و محاربة الغش في العلاقات الاقتصادية. هذا المقتضى سيساهم بطبيعة الحال في حماية الاقتصاد الوطني، وتخليق الحياة الاقتصادية و تحسين مناخ الأعمال، ثم تشجيع الاستثمار بالبلاد.
ومن أجل بلوغ تلكم الأهداف، و استكمالا للمسار الإصلاحي  في ميدان دعم المنافسة الشفافة و تحقيق الحكامة على مستوى الاقتصاد الوطني، فانه يجب التفكير في إحداث محاكمة خاصة بالمنافسة تجمع بين ذوي الخبرة في ميدان الأعمال و الاقتصاد، و ذوي الخبرة في القانون، أو على الأقل إحداث أقسام متخصصة على صعيد المحاكم التجارية يعود إليها إختصاص النظر في دعاوي المنافسة. كذلك يتعين على المجلس الاهتمام بالشراكة المؤسساتية مع الفاعلين في مجال حماية المنافسة الشريفة من داخل أو خارج المملكة. بالإضافة إلى تمكينه من كافة الوسائل اللازمة لاشتغاله من موارد مالية و بشرية و مادية.
و في نفس الإطار، يجب على مؤسسة مجلس المنافسة العمل على التنسيق مع كافة المتدخلين في ميدان المنافسة، ضمانا لالتقائية و نجاعة السياسات العمومية المعمول بها في المجال. في مقابل الرهانات المعقودة على مجلس المنافسة، فان قيام هذا الأخير بأدواره بالشكل اللازم تعترضها عدة تحديات.

ثانيا: الاكراهات.

إن توفر مجلس المنافسة على سلطة تقريرية و اختصاصات متعددة لضمان المنافسة الحرة و النزيهة يصطدم بعراقيل متعددة. و تتجلى هذه الاكراهات على عدة مستويات، يأتي في طليعتها التأخر الحاصل في استكمال هيكلة المجلس. هذا من جانب، و من جانب آخر فإن إشكالية تداخل اختصاصات مجلس المنافسة مع هيئات عمومية أخرى معنية بحماية المنافسة الحرة و النزيهة مطروحة بإلحاح في هذا الصدد، و نستشهد  هنا بمديرية الاسعار و المنافسة التابعة لوزارة الشؤون العامة و الحكامة، التي تعتبر هي الأخرى متدخل أساسي في قضايا المنافسة.
من  ضمن التحديات التي يواجهها المجلس أيضا، نذكر هاجس المس باستقلاليته، ذلك أن تمثيل الحكومة بمندوب[5]، مكلف بحضور جلسات المجلس، ولو بصفة استشارية قد يمس السلطة التقريرية المستقلة التي أصبحت تتمتع بها هذه المؤسسة[6].
ولعل أبرز تحدي يواجهه مجلس المنافسة  في الوقت الراهن، هو التأخر الحاصل على صعيد تفعيل صلاحيته في حلتها الجديدة كما جاء بها القانونين 20.13 و 104.12 المشار إليها سابقا، وهو الأمر الذي لا يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني فضلا عن مصلحة المستهلك.

خاتمة:

يعول على مؤسسة مجلس المنافسة أن تلعب دور أساسي في حماية المنافسة الحرة و النزيهة، بما يعزز التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في البلاد، و يساهم في تحسين مناخ الأعمال و الاستثمار، و ذلك من خلال البت في القضايا المعروضة عليه أو في مجال المبادرات التواصلية و التحسيسة التي يقوم بها مع مختلف الجهات ذات الصلة بميدان حماية المنافسة.




[1] ظهير شريف رقم 1.14.117 صادر في 2 رمضان 1435 (30 يونيو 2014)، بتنفيذ القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، الجريدة الرسمية عدد 6276، الصفحة 6095.
[2] ظهير شريف 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 (30 يونيو 2014) بتنفيذ القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، الجريدة الرسمية عدد 6276.
[3] أنظر الباب الأول من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة.
[4] أنظر الباب الثاني من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة.
[5] أنظر المادة 13 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة.
[6] كحال سلمى، مجلس المنافسة وضيط النشاط الاقتصادي، مذكرة لنيل شهادة الماجستر في العلوم القانونية، جامعة امحمد بوقرة بومرداس، كلية الحقوق، السنة الجامعية 2010/2009، ص: 41.

أحدث أقدم