النيابة العامة على ضوء قانون التنظيم القضائي المغربي الجديد


من إعداد: نورالدين مصلوحي. 
عدل متمرن وباحث بماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط.

صادق مجلس المستشارين مؤخرا على القانون رقم 15-35 المتعلق بالتنظيم القضائي بعد أن صادق عليه مجلس النواب قبل سنتين، وقد أتى هذا القانون بمستجدات مهمة، وسنحاول في هذا المقال المتواضع التركيز على ما يهم جهاز النيابة العامة باختصار مفيد.

أولا: رئاسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض للنيابة العامة:

نصت المادة 17 من قانون التنظيم القضائي الجديد على أن قضاة النيابة العامة يمارسون مهامهم تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، ورؤسائهم التسلسليين. وهذا المقتضى يعد تجسيدا لاستقلال السلطة القضائية التي كرسها دستور 2011 في الفصل 107 منه، لكن الدستور لم يشر صراحة إلى الجهة التي ترأس النيابة العامة، واكتفى بإلزام قضاة النيابة العامة بالالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، وذلك في الفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور.
وقد كان قضاة النيابة العامة بموجب النظام الأساسي لرجال القضاء في الفصل 56 منه، يخضعون لسلطة وزير العدل الذي كان نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاة، وظل الأمر كذلك إلى أن صدر القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي نصت المادة 66 منه في فقرتها الأخيرة على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية عند تدبيره للوضعية المهنية للقضاة يراعي معايير متعددة منها: "تقارير التقييم المقدمة من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة". ليصدر بعد القانون أعلاه القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، هذا القانون جاء في المادة الأولى منه بصريح العبارة: "يمارس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، سلطته على قضاة النيابة العامة التابعين له بمختلف محاكم المملكة".

ثانيا: منح ضمانات لتجويد عمل رئاسة النيابة العامة وتعزيز استقلاليتها: (المادة 17)

حتى تقوم رئاسة النيابة العامة بمهامها في ظروف جيدة وملائمة، ضمن لها القانون الجديد للتنظيم القضائي توفرها على بنية هيكلية يحدد تنظيمها الداخلي وكيفية سيرها بمرسوم يتخذ باقتراح من رئيس النيابة العامة، كما ألزم القانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية بأن يضع قضاة رهن إشارة النيابة العامة، وحمل الدولة مسؤولية وضع الوسائل المادية والموارد البشرية اللازمة رهن إشارتها.

ثالثا: تبعية قضاة النيابة العامة بالمحاكم التجارية إلى المسؤولين القضائيين بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف: (المادتان 57-74)

بموجب قانون التنظيم القضائي الجديد، أصبحت تمثل النيابة العامة لدى المحاكم التجارية بنائب أو نواب لوكيل الملك يعينهم وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي توجد بدائرتها المحكمة التجارية، وأما بخصوص النيابة العامة لدى محاكم الاستئناف التجارية فأصبحت تمثل بنائب أو نواب للوكيل العام للملك، يعينهم الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي توجد بدائرتها محكمة الاستئناف التجارية. ويعد هذا مستجدا لم يعرف له نظير في التنظيم القضائي، فبحسب القانون الحالي المحدث للمحاكم التجارية فإن تمثيل النيابة العامة بهذه المحاكم يكون من طرف وكيل الملك في المحاكم التجارية والوكيل العام للملك في محاكم الاستئناف التجارية. ويعد توجه المشرع هذا ترجمة حقيقية لحسن التدبير في الموارد البشرية، ما دامت المحاكم التجارية لا تعرف ذلك الزخم من القضايا كما في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، زد على ذلك أنه يمكن أن تشتمل المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف على أقسام متخصصة في القضاء التجاري، مما لا يبقى معه حاجة لإبقاء مسؤولين قضائيين بالمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية والاستفادة من خدماتهم في المحاكم العادية.

رابعا: إحداث منصب المحامي العام الأول: (المادتان 83-89)

نظرا لتعدد أشغال ووظائف الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، والتي منها عضويته بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وبالهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل... فقد سعى قانون التنظيم القضائي الجديد إلى التخفيف عنه ودعمه بخدمات المحامي العام الأول، حيث أسند له القانون مهمة النيابة عن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حالة غيابه أو إذا عاقه عائق، ويعد المحامي العام الأول عضوا بمكتب محكمة النقض.

خامسا: عضوية النيابة العامة في مؤسسات ولجان جديدة: (المواد 18-21-23-24-25)

أحدث القانون الجديد للتنظيم القضائي مؤسسات ولجان جديدة وهي مكتب المحكمة الذي يتولى وضع مشروع برنامج تنظيم العمل بالمحكمة قبل أن يرفع هذا المشروع إلى الجمعية العامة للمحكمة قصد المصادقة عليه. ويعد كل مسؤول قضائي يمثل النيابة العامة عضوا في هذا المكتب بالنسبة لمحكمة أول درجة وثاني درجة ومحكمة النقض. غير أن النيابة العامة بالمحاكم التجارية يمثل المكتب فيها بنائب لوكيل الملك يعينه وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي توجد المحكمة الابتدائية التجارية بدائرة نفوذها، وأما النيابة العامة بمحاكم الاستئناف التجارية فيشغل عضوية مكتب المحكمة فيها نائب الوكيل العام للملك يعينه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي توجد محكمة الاستئناف التجارية بدائرة نفوذها.
والنيابة العامة لها عضوية كذلك في لجنتين أحدثهما قانون التنظيم القضائي الجديد، وهما لجنة لبحث صعوبات سير العمل في المحكمة ودراسة الحلول المناسبة لذلك، وكذا لجنة التنسيق المحدثة على صعيد كل محكمة من أجل تدبير شؤونها، ويشغل هذه العضوية رئيس النيابة العامة بكل محكمة من محاكم المملكة.

أحدث أقدم