أصدرت المحكمة الابتدائية بوادزم– وسط المغرب- حكمًا بالسجن النافذ لمدة سنتين في حق مدوّنة شابة، على خلفية تدويناتها بصفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعد متابعتها من طرف النيابة العامة بتهمة الإساءة للدين الإسلامي.
الحكم خلّف ردود أفعال قوية اعتبرته انتكاسة حقوقية، وقد أعاد إلى الواجهة من جديد النقاش حول حرية المعتقد وحقوق الأقليات في بلدان المنطقة. كما جدّد المطالبة بضرورة مراجعة مقتضيات الفصل 267-5 من القانون الجنائي لملاءمته مع الدستور ومع المعايير الدولية.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 27/07/2022 حينما توصّلت الشرطة القضائية بمدينة واد زم بإرسالية من طرف مصلحة مكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، جاء فيها بأنّ ثمة حسابيْن إلكترونييْن تنشر عليهما تدوينات “مسيئة لثوابت الأمة ومقدساتها”، وقد أسفرت التحريات التي تم القيام بها عن التوصل إلى هوية صاحبة الحسابين المذكورين، حيث تمّ الاستماع اليها في محضر قانوني، أكدت من خلاله أنها صاحبة الحسابين، وأن التدوينات المنشورة فيهما تعود اليها، وأنها تمارس من خلالها حقها الدستوري في حرية التعبير، موضحةً بأنها ليست مسلمة، ولا تؤمن بأيّ دين سماوي، وتتبنّى الفكر العلماني.
وعند استنطاقها من طرف النيابة العامة، جددت تأكيدها بأن جميع التدوينات المنشورة بحسابيها الإلكترونيين يخصّانها، وأنها تمارس حقها في التعبير المكفول دستوريا.
وبناء على ذلك قررت النيابة العامة متابعتها في حالة اعتقال واحالتها للمحاكمة.
موقف المحكمة
أحضرت المتهمة في حالة اعتقال. وبعد التأكّد من هويتها واستفسارها عن المنسوب إليها، أفادت بأنها لا تعتنق أيّ دين، وبأنّها لم تسبّ الدين الإسلامي، وانّما مارست فقط حقّها في التعبير المكفول دستوريّا. وقد أكّد دفاعها في متن مرافعته بأنّ “فصل المتابعة قاسٍ مقارنةً مع ما يكفله الدّستور من حرية التعبير”، وبأن نقاش الملفّ هو “نقاش للحريات”، ملتمسًا البراءة لفائدة الشك واحتياطيًا تمتيع المتهمة بظروف التخفيف خاصّة وأنها أكدت أنها لم تقصد الإساءة للدين الإسلامي، وبأنها مستعدّة للاعتذار.
وبعد الانتهاء من أطوار المرافعات قضتْ المحكمة بإدانة المتهمة من أجل المنسوب اليها، والحكم عليها بسنتين حبسا نافذا مع غرامة مالية نافذة قدرها 50 ألف درهم (تعادل حوالي 5 آلاف دولار أمريكي)، وقد اعتمدت المحكمة على العلل التالية:
- المتهمة ولئن دفعت بأنّ السبب وراء تدويناتنها هو ممارستها لحريتها في التعبير والرأي المكفول دستوريا. غير أن الدفع مردود عليها لأن الدستور وإن نص في فصله 25 على أن حرية الفكر والتعبير مكفولة بكل أشكالها، إلا أن هذه الحرية يجب أن تمارس في احترام تامّ لحرية الغير ومعتقداتهم الدينية، وبشكل غير مخالف لباقي مقتضيات الدستور وخاصة ما ورد في ديباجته التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ منه والتي اعتبرتْ أن الهوية المغربية تتميز بتبوّء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، والفصل الأول الذي يعتبر أن الدين الإسلامي يعتبر من الثوابت التي تستند عليها الأمة؛
- الدستور المغربي في الباب المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية في الفصل 19 منه أكد على أنه ولئن كان الرجل والمرأة على قدم المساواة يتمتّعان بالحقوق والحريات المدنية والسياسية الواردة في الباب المذكور وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، فإن ذلك يجب أن يتمّ في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها؛
- قيام المتهمة بنشر التدوينات المسيئة للدين الإسلامي في حسابها المفتوح للعموم يجعل ما نُسب اليها ثابتًا في حقها؛
- للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير العقوبة المحكوم بها وتفريدها في نطاق الحدين الأدنى والأقصى مراعيةً خطورة الجريمة وشخصية المجرم.