الجماعات الترابية بالمغرب ودورها في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد في ظل وقع جائحة كوفيد 19



        بداية أود التأكيد على أن تجديد النموذج التنموي هو تقدم للمغرب وتحسين لظروف عيش مواطنيه والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية،باعتبار أن هذا النموذج التنموي سيشمل كل مستويات التركيبة الإنسانية، ويجيب على مختلف احتياجاته الروحية والمادية والفكرية والسلوكية. بحيث يغدو الإنسان، في بعديه الفردي والجماعي، منطلقا وغاية لكل تنمية ديمقراطية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية.
       وبحكم أنها تنشد تنمية الإنسان بما هو كيان مركّب المستويات ومتعدد الأبعاد، فإن التنمية المنشودة هي تلك التنمية التي تحوز شروطها الجامعة، بما يجعل منها تنمية شاملة، وفقا لما سلف ذكره، ومتكاملة في توجهاتها ومجهوداتها، وعادلة في استجاباتها وتوزيع عوائدها ومقدراتها ومنافعها، لتعم كل المواطنين وتشعرهم بالعدل والكرامة، وبما يعزز انتماءهم للوطن ويقوي انخراطهم في خدمته ورقيه. فضلا عن أنها تنمية مستدامة تجيب على المتطلبات الراهنة العاجلة، دون أن تهدر حقوق الأجيال المقبلة واحتياجاتها الآجلة.
         بالمقابل، سمحت لنا ذات القراءة على الوقوف على جملة من الإشكالات الحقيقية التي ما زالت تكتنف المسيرة التنموية الوطنية، بمعنى أن النموذج التنموي الحالي أصبح غير قادر على الاستجابة لمطالب وحاجيات المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 وفي ما يلي جرد لبعض الاختلالات التي يعرفها النموذج التنموي الحالي:

·       اقتصاديا

ü    النمو الاقتصادي لا يعرف نموا تصاعديا ثابتا، وإنما متقلبا بسب الاعتماد بشكل كبير في المنظومة الانتاجية على القطاع الفلاحي، والذي بدوره مرتبط بالتساقطات؛

ü    الاقتصاد الوطني مرتبط بالوضع الخارجي والظرفية الدولية، وخصوصا أن المغرب تربطه علاقات و اتفاقيات مع عدة دول وعلى رأسها الاتحاد الأوربي؛

ü    عجز في الميزان التجاري؛

ü    ارتفاع المديونية الخارجية؛

ü    ضعف دينامية المقاولات الوطنية...

·       اجتماعيا

ü    الهشاشة الاجتماعية بسبب الفوارق الطبقية؛

ü    تراجع الاندماج الاجتماعي؛

ü    ضعف نسبة التمدرس؛

ü    ضعف الأنشطة الصحية؛

ü    ارتفاع نسبة البطالة؛

ü    انتشار مظاهر الاقصاء الاجتماعي؛

ü    فوارق من حيث النوع ( المساواة بين الرجل والمرأة)...

·       مجاليا

ü    من خلال الاحصائيات، 3جهات فقط تنتج 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام؛

ü    تباينات مجالية على مستوى التنمية بين المجال الحضري و المجال القروي...

    هاته بعض الإشكالات التي وجب الانطلاق منها في إطار التصور الجديد للنموذج التنموي ، وهذا ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة على أن المواطن المغربي هو في صلب التنمية، كما وجب اعتماد مقاربة تشاركية وإدماجية في معالجة القضايا الكبرى للبلاد.

وأوضح جلالته كذلك، أن اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي، لديها 3 مهمات :

·       تقويمية: بمعنى أنه لا يمكن تصفية النموذج الحالي، إلا بعد خضوعه لتقييم صارم ودون أي تحيز، وطرح السؤال الجوهري، لماذا الفشل؟

·       استباقية: عن طريق إعداد مشروع تنموي ذو خطة عمل محكمة، سواء في الأوضاع العادية أو الاستثنائية كما هو الشأن حاليا، حيث شكلت جائحة كورونا تحديا حقيقيا ورهانا وجب أخذ العبر والدروس منه. مع العلم أن المغرب تعامل بطريقة استباقية مع الوضع مكنته من تحقيق نجاحات باهرة في محاصرة الوباء؛

·       استشراقية: أي نموذج تنموي ذو نظرة تفاؤلية يخدم مصلحة المواطنين على المدى البعيد، وليس برنامج محدد في الزمن والمكان.

    إن المغرب وإن كان قد غير في واقع الحال الكثير من خطابه التنموي، فقد تبنى مقاربات جديدة مبنية على عدة متغيرات ،أبرزها البعد الترابي.

    يتجلى ذلك، من خلال المؤسسات المشتغلة على صعيد التراب الوطني، ونقصد بالخصوص الجماعات الترابية. هاته الأخيرة، خصص لها دستور 2011 بابا كاملا، وهو الباب التاسع، ومنحها صلاحيات واسعة، وبالتالي شكل أرضية لإصدار القوانين التنظيمية  المتعلقة بالجماعات الترابية، سواء 111.14 المتعلق بالجهات أو 112.14 المتعلق بالعمالات و الأقاليم أو 113.14 المتعلق بالجماعات.

    لقد لعبت الجماعات الترابية دورا مهما لمواجهة وباء كوفيد 19، فقد أسند المشرع لها عدة اختصاصات والتي يمكن من خلالها مواجهة هذا الوباء والحد منه وحماية المواطنين، طبقا لأحكام الفصل 21 من الدستور. وفي هذا الصدد، وجب التذكير ببعض اختصاصات الجماعات الترابية لتدبير جائحة كورونا.

·       على مستوى الجماعات

    بحكم قربها المجالي، واحتكاكها اليومي بالمواطنين، وخاصة في هاته الظرفية الاستثنائية، أسند لها المشرع مسؤولية تقديم الخدمات الأساسية و الحيوية للمواطنين.

ومن بين الاختصاصات الذاتية نذكر:

ü    ضمان توزيع الماء الصالح للشرب و الكهرباء والإنارة العمومية، خصوصا وأن الظرفية تتطلب غسل اليدين بشكل مستمر ونظافة الأماكن الخاصة والعمومية؛

ü    تطهير السائل وجمع النفايات المنزلية وتنظيف الأماكن العمومية والساحات العامة والشوارع والأزقة وأسواق القرب؛

ü    سهر مكتب حفظ الصحة بالجماعة لمواجهة كل طارئ باتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل المرضى و الأموات ودفنهم بتنسيق مع السلطات المحلية؛

ü    استخدام رئيس الجماعة الصلاحيات المخولة له في مجال الشرطة الإدارية، في ميادين الصحة والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور وتنظيم الأنشطة التجارية والاقتصادية، إضافة إلى اتخاذ تدابير احترازية لمكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة والمساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية.

·       على مستوى العمالات و الأقاليم

    يعمل مجلس العمالة أو الإقليم على توفير بعض التجهيزات والخدمات الأساسية التي قد تمليها الظرفية، خاصة بالمجال القروي، وإنجاز أي مشروع  أو برنامج استعجالي فرضته الظرفية للتصدي لتداعيات الفقر والخصاص الذي قد تعانيه الأسر الفقيرة بهوامش المدن والبوادي.

·       على مستوى الجهات

    تتدخل في حدود اختصاصاتها للمساهمة في مواجهة الجائحة بشراكة وتعاقد مع باقي مؤسسات الدولة، وخاصة في جوانب المساعدة الاجتماعية وفك العزلة بالعالم القروي عبر برامج استعجالية تهم مجالات الصحة والتعليم والماء والكهرباء. وإن كانت هذه الاختصاصات ليست من صلاحيات مجالس الجهات، لكن الظرفية والمصلحة العامة تستوجب المشاركة الاستثنائية في ممارستها.   

    على العموم، وجب على الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث، الانخراط بشكل فعلي وجاد في تنفيذ التدابير الاحترازية والوقائية اللازمة لحفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ الصحية. لأنها تبقى هي المعنية بشكل مباشر، ولهذا ينبغي عليها أن تقوم بكل التدابير التي من شأنها حفظ الصحة ومكافحة الوباء على مستوى النفوذ الترابي للجماعة.

     وايضا يجب أن لا تمر الجائحة دون أخذ العديد من الدروس والعمل بها مستقبلا من أجل تحسين جودة الخدمات ومن أجل الرقي بالإدارة بشكل عام والجماعات الترابية بشكل خاص وتقديم خدمات القرب لدى المواطنين في أحسن الظروف الممكنة وتسريع وتيرة الخدمات من خلال تطوير الإدارة الإلكترونية، وأيضا تكوين الموظفين في مجال المعلوميات والمجال التقني من أجل تسهيل خدمات القرب من المواطنين وللولوج للخدمات عن بعد.
    وفي الختام، إن إنجاح مشروع النموذج التنموي الجديد، رهين بمدى مساهمة الجماعات الترابية باعتبارها شريك رئيسي ومؤسسات للقرب تخدم مصلحة المواطنين بطريقة مباشرة.

وبالتالي وجب في إطار إعداد المشروع التنموي:

ü    منح مزيد من الصلاحيات للجماعات الترابية وفق ما يقتضيه القانون؛

ü    التسريع بإنزال الجهوية في إطار اللامركزية؛

ü    تحسين الحكامة الترابية؛

ü    تطوير نجاعة والتقائية السياسات العمومية؛

ü    إصلاح الإدارة وتعزيز دور المجتمع المدني؛

ü    تثمين الثروة البشرية للاستجابة لتحديات التنمية؛

ü    تنفيذ سياسة مندمجة لإعداد التراب والاستفادة المتكافئة
من البنيات التحتية...


1 تعليقات

  1. Merci ,notre docteur pour vos œuvres scientifiques qui nous éclairent davantage

    ردحذف
أحدث أقدم