حماية المستهلك في ظل أزمة كورونا ''كوفيد 19 "





عزالعرب الحسوني - طالب باحث بسلك الماستر قانون العقار والتعمير - كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-
السويسي – الرباط




مقدمة


عرف العالم منذ القدم انتشار مجموعة من الأمراض و الفيروسات التي كانت لها أثار وخيمة على المجتمعات،سواء كانت بفعل الإنسان أو بفعل الطبيعة،لا يخفى عنا اليوم أن العالم يشهد حربا عالمية من نوع خاص، حربا بيولوجية محضة لا تفرق لا بين دولة عظمى ولا دولة فقيرة ولا بين حاكم ولا محكوم، ولا بين غني ولا فقير. فالكل أصبح سواسي أمامها، لأننا أمام عدو مستجد وفتاك، ومسلح وعنيد أطلق على نفسه( كوفيد 19( ، والمغرب لن يسلم بدوره من هذا الفيروس COVID 19) ) حيث يعتبر من بين دول العالم التي عرفت انتشار هذا الوباء الخطير، الذي لم يرخي بضلال تأثيره على جانب الصحي والجسدي فحسب، بل إمتد تأثيره ليشمل الجانب الاستهلاكي للمواطنين والأكثر من ذلك الجانب القانوني بصفه عامة.
أمام هذا الوضع لجأت الحكومة المغربية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية و الإستباقية لمواجهة خطورة هذه الجائحة. ومن أهم هذه التدابير إعلان حالة الطوارئ الصحية وفرض الحجر الصحي بالمغرب.
والإنسان بطبعه مستهلك يحتاج في حياته اليومية إلى مجموعة من الحاجيات و المتطلبات التي يسعى بما له من إمكانيات إلى تلبيتها وإشباعها. والتي إزدادت أهمية في ظل إنتشارهذا الوباء .

وفي المقابل عمد الكثير من الحرفيين والمهنيين والباعة مستغلين هذه الأوضاع للقيام بمجموعة من الأفعال الهادفة إلى التعسف واستغلال ضعف للمستهلك و حاجته الملحة في ظل هذه الأزمة ، كالزيادة مثلا في أسعار بعض المواد بشكل غير مبرر ، والادخار السري لبعض السلع. كما لجأ بعض المستهلكين-بعامل خوفهم- إلى احتكار بعض المنتوجات بحيث أصبح الشخص يقتني ضعف ما يحتاجه .وهي أفعال في حقيقة الأمر لا تبت للإنسانية بصلة ولا لمبادئ التضامن والتعاون المكرسة دستوريا. والأكثر من ذلك أنها أفعال ممنوعة قانونا. وفي ظل الأوضاع الراهنة أصبح الشغل الشاغل للجهات المعنية هو توفير الحماية للمواطن باعتباره مستهلك ضعيف مقارنة مع المهني والحرفية ذو المركز الاقتصادي القوي،كما أصبح هذا الهاجس من أكبر التحديات التي تواجه الجهات المعنية في ظل هذا الوضع غير المطمئن. حيث أثبت الواقع أن العديد من المستهلكين كانوا عرضة للنصب والاستغلال والزيادة غير المبررة في الأسعار. ناهيك عن الادخار السري الذي يعمد له بعض الحرفيين والباعة.
وبالتالي فهذا الموضوع يطرح أكثر من أي وقت مضى ضرورة الحديث من جهة عن مدى تأثير المستهلك بهذه الأزمة، ومن جهة أخرى نجد السلطات المختصة تراهن وتسعى بكل ما لها من آليات ووسائل قانونية وبشرية ومادية إلى توفير الحماية اللازمة للمستهلك من كل استغلال وتعسف من طرف الحرفي . لتحقيق الأمن التعاقدي و ضمان استمرار المعاملات في ظل هذه الجائحة( كوفيد 19) .وهو ما يبرر الأهمية النظرية والعملية للموضوع .
وهذه الأهمية تبرز عنها إشكالية رئيسية تتمحور حول تداعيات فيروس كورونا على المستهلك وسبل حمايته في ظل هذا الوضع ؟
وهذه الإشكالية تتفرع عنها العديد من الأسئلة الفرعية من قبيل
• ما موقف قوانين الاستهلاك من هذه الوضعية ؟
• إلى أي حد ساهم الإعلام والجمعيات في حماية المستهلك في ظل هذه الجائحة،
• ما مدى تأثير هذه الأزمة على المستهلك؟


ولمحاولة مقاربة الموضوع والإجابة عن هاته الأسئلة والإحاطة بالإشكالية المطروحة إرتأيت اقتراح التصميم التالي .

المبحث الأول: مظاهر حماية المستهلك في ظل أزمة كورونا
المبحث الثاني: تداعيات أزمة كوفيد 19 على المستهلك




المبحث الأول: مظاهر حماية المستهلك في ظل وباء كورونا



يعتبر المغرب من بين البلدان التي عرفت انتشار فيروس كورونا المستجد ( كوفيد 19 ) وهذا الأخير أحدث تأثيرا واضحا على المستهلك المغربي.
حيث فرضت حالة الطوارئ الصحية إعادة النظر في مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة لمواكبة المتطلبات الضرورية والملحة التي ظهرت خلال فترة الحجر الصحي. لذلك عمد المشرع المغربي وحرصا منه للحفاظ على التوازن في العلاقات الاقتصادية إلى حماية المستهلك من خلال قانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والقانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك وعليه سوف نخصص (المطلب الأول ) للحديث عن دور القانون في حماية المستهلك. أما في (المطلب الثاني ) سوف أحاول الحديث عن دور المجتمع المدني في حماية المستهلك في ظل هذه الجائحة.

المطلب الأول: دور القانون في حماية المستهلك


تعد حماية المستهلك من الواجبات الأساسية للدولة، ولهذا السبب تدخل المشرع المغربي من خلال قوانين الاستهلاك و هي القوانين التي جاءت لحماية المستهلك ومواكبة التطورات الإقتصادية والإجتماعية التي عرفها المجتمع ،ولعل أهم قانونين يهدفان لحماية المستهلك هما القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والقانون رقم 31.08[1] المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك بالمغرب والنصوص المكملة له تضمن مجموعة من المقتضيات التي تهدف إلى حماية المستهلك في ظل هذه الجائحة. لأن مناط الإلتزام هو الإرادة وإن كان لتلك الإرادة كقاعدة عامة أن تشترط ما شاءت لتحافظ على مصالحها في العقد . فإن المهني المحترف لن يجدها صعوبة في صياغة شروط قد تبدو سليمة بمنطق الحرية التعاقدية ،لكنها بميزان العدل وحسن النية هي شروط تعسفية تعكس حقيقة الهوة بين إرادة إنكبت على تحضير عقد يطغى عليه هاجس الربح السريع والمصلحة، وإرادة لم تستطيع سوى قبول هذه الشروط المجحفة إما لعدم كفاءتها وقلة خبرتها أو ضعف مكانتها الاقتصادية[2].
لكن إذا كانت مقتضيات القانون رقم 31.08 توفر الحماية للمستهلك خلال الأحوال الاعتيادية فهل بإمكان هذه المقتضيات أن توفر الحماية للمستهلك خلال الفترة المتعلقة بحالة الطوارئ جراء إنتشار فيروس كورونا المستجد؟
من بين المحاور التي قد يستغلها المهني, و التي من الممكن أن تعرف مجموعة من المعاملات الغير مشروعة.
تضمين العقد بعض الشروط التعسفية و التي من الممكن أن تضر بالمستهلك فالعقد وسيلة لتبادل المنافع و الخدمات محكوم بسوق المنافسة يحتكر فيها مقدموا السلع والخدمات .الأمر الذي يجبر المستفيد على قبول شروط العقد كما تم وضعها و يبقى المجال مفتوحا للمحترف للتضمين العقد شروط و مقتضيات لا تخلوا من التعسف و الشطط .
و كذا حماية المستهلك من الإشهار الإلكتروني و التجاوزات المسجلة في التعاقد عن بعد، و أيضا بعض الممارسات الغير مشروعة و استغلال قصور الخبرة و جهل المستهلك الدافع للتعاقد و عدم تطبيق الإمهال القضائي خلال التوقف عن تسديد القروض البنكية .
حماية المستهلك من خلال حق التراجع عن العقد و عدم التقيد بآجال تسليم السلع و الخدمات في الآجل المحدد.
ومن بين الممارسات التي تهدد حقوق المستهلك خلال فترة الطوارئ الصحية هي تضييق اختيارات المستهلك في ظل إنعدام أو ندرة بعض المواد الإستهلاكية و التي قد يضطر المستهلك من خلال هذه الأوضاع إلى اقتناء سلع أو خدمات لا تستجيب لرغبة المستهلك لكن بحكم الصعوبات و الإكراهات المتعلقة بالتوزيع فإن دور الأجهزة الرقابة الإدارية التي أوكل إليها أمر مراقبة جودة السلع و الأسعار في إطار قانوني بزجر الغش في البضائع يبقى محوريا في ضمان تعزيز حماية المستهلك من الغش و الزيادة في الأسعار .
(كالإرتفاع الصاروخي الغير المبرر لأثمنة بعض المنتجات كالمطهرات الكحولية و القفازات والكمامات وغيرها من المواد الطبية ....)
و تبعا لذلك فأن تواجد أغلب العائلات المغربية في المنازل في إطار الحجر الصحي يحقق استمرار احتياجات ضرورية يستهدفها المهني المحترف من خلال الإعلام بغرض تمرير الإشهار المكثف من أجل التأثير على اختيارات المستهلك من أجل اقتناء سلع و خدمات معينة دون مراعاة جودة هذه السلع .
و لا شك أن توقف الأنشطة الإقتصادية بفعل حالة الطوارئ الصحية أدى إلى فقدان العديد من مناصب الشغل و بالتالي إيجاد مجموعة من الأشخاص صعوبة في دفع مستحقات القروض البنكية و بالتالي حرمانه من الإستفادة من مقتضيات المادة 149 من قانون حماية المستهلك التي تخص إلامهال القضائي.
لذا وطبقا للمرسوم المنظم لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب عدد 1.20.290 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 خصوصا المادة السادسة منه "فإن جميع الٱجال يوقف سريانها إلى حين انتهاء حالة الطوارئ ويجري سريانها في اليوم الموالي للإعلان نهاية حالة الطوارئ باستثناء ٱجال مدة الحراسة النظرية ،و الإعتقال الإحتياطي و الطعن بالإستئناف في الأحكام الصادرة في قضايا الأشخاص الموجودين في حالة اعتقال، لذا فهذه المادة تعطي ضمان إضافي ضد الطلبات التي تقوم بها المؤسسات لإسترجاع أقساط القروض من الأشخاص الذين توقفوا عن الدفع لظروف إجتماعية منها فقدان الشغل .
و لذلك فحماية صحة و مصلحة المستهلك تتوقف أساسا على الوعي الإستهلاكي المكتسب من طرف المواطنين خلال ممارسة حقهم في اللجوء إلى المساطر القضائية والإدارية، أو من خلال الأدوار الأساسية للمؤسسات الموكل إليها السهر على تطبيق القوانين ذات الصلة بتنظيم الاستهلاك خصوصا منع كل الأنشطة التي تهدف إلى إحتكار السلع والخدمات من فاعلين معينين أو ممارسة شروط المنافسة الحرة .ومن هذه العمليات الحد من المضاربة في السلع والرفع من الأسعار.

وللكشف عن موقف قانون104.12المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[3] من الزيادة غير المبررة في الأسعار ومن الإحتكار والإدخار .حيث يعتبر الثمن الشغل الشاغل بالنسبة للمستهلك فعند الإقدام على إقتناء سلعة فضلا عن جودتها فهو يأخذ بعين الإعتبار مقابل تلك السلعة والذي يجب أن يتلاءم مع قدرته الشرائية.
أدى وباء كورونا إلى رفع أثمنة العديد من المنتوجات من طرف التجار وهذا خرق واضح لمقتضيات المادة [4]2 من قانون حرية الأسعار والمنافسة. إضافة إلى بعض الأفعال التي تخرق قواعد المنافسة الحرة والمتمثلة في إحتكار السلع , وللقضاء على هذه الأفعال تم التنصيص على مجموعة من العقوبات الجنائية في الباب الثاني من قانون 104.12 وسنقتصر في هذا الإطار إلى النظر إلى مادتين أساسيتين واللتان تعاقبان على بعض الأفعال التي إنتشرت بشكل كبير في ظل هذه الجائحة وهما المادتين 75 و76.


تنص المادة 75 من قانون حرية الأسعار و المنافسة، على انه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من عشرة آلاف 10.000 إلى خمسمائة ألف 500.000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقد ،كل شخص ذاتي شارك على سبيل التدليس أو عدم العلم مشاركة شخصية و حاسمة في تخطيط لممارسات المشار إليها في المادتين 6 و 7 أو تنظيمها أو تنفيذها أو مراقبتها ، و يمكن للمحكمة أن تأمر بنشر القرار في الجرائد التي يؤدي المحكوم عليه نفقتها.
أما المادة 76 تنص على انه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من عشرة الآلف 10.000 إلى خمسمائة آلف 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، كل من افتعل أو حاول افتعال رفع و تخفيض سعر سلع او خدمات أو سندات عامة أو خاصة ،باستعمال أية وسيلة كانت لنشر معلومات كاذبة أو افتراءات أو بتقديم عروض في السوق قصد الإخلال بسير الأسعار التي طلبها الباعة أو باستخدام أية وسيلة أخرى من وسائل التدليس. و عندما يتعلق رفع او تخفيض الأسعار المفتعل بالمواد الغذائية أو الحبوب أو الدقيق أو المواد الطحينية أو المشروبات أو العقاقير الطبية أو الوقود أو السماد التجاري يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة لا يزيد مبلغها عن ثمانمائة ألف درهم .
والجدير بالذكر أن مدة الحبس هذه يمكن أن ترفع إلى خمس سنوات والغرامة إلى 1.000.000 درهم إذا تعلقت المضاربة بمواد غذائية أو بضائع لا تدخل في زمرة الممارسة الإعتيادية لمرتكب المخالفة .

حيث يمكن القول أن فيروس كوونا اثر بشكل كبير على المستهلك لم يبقي التوازن الذي كان قائما بين العرض و الطلب قبل تفشي فيروس كورونا مما أدى إلى مخالفة بعض التجار للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في قانون حرية الأسعار و المنافسة.



المطلب الثاني: دور المجتمع المدني في حماية المستهلك


إن الدور الإعلامي مهم جدا للحد من مجموعة من الأفعال الغير مشروعة التي يقوم بها المهني خلال هذه الفترة ( أزمة كورونا)التي تواجه المجتمع ويوضح الظلم والتعسف الذي يمارسه المنتجون والتجار ووسائطهم ضد المستهلك في ظل هذه الأزمة التي تواجه المجتمع. لأن وسائل الإعلام والوعي المجتمعي لهما دور كبير في حماية المستهلك(الفقرة الأولى).كما تلعب جمعيات حماية المستهلك دورا مهما في الدفاع عن مصالح المستهلكين ،حيث أصبحت من جماعات الضغط الاجتماعي سواء على المشرع الذي كثيرا ما دفعته إلى تبني سياسة حمائية. كما شكلت مجموعة ضغط على المهنيين من خلال الأساليب والطرق التي سلكتها للحماية المصلحة الجماعية للمستهلكين. من خلال الدعاية المضادة ضد كل الممارسات الغير مشروعة في ظل هذه الأزمة. كما تقوم هذه الأخيرة بدور هام في إعلام المستهلكين بحقوقهم وتوجيهم في ميدان الاستهلاك (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: دور الإعلام في حماية المستهلك


كثير من الدراسات كشف أن لإستراتيجيات التأطير الإعلامي دورا أساسيا في التأثير في السلوك الاستهلاكي للمشاهد، حيث أثبتت النتائج أن اختلاف الأطر المستخدمة يؤثر على الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى المخاطر المحيطة فيه، كما أن التعابير اللغوية المختلفة والعوامل البصرية المستخدمة تؤثر على مواقف رد الفعل وقد تساهم في تغيير نظرة المستهلك لهذه المخاطر.

وربما خير دليل على ذلك هو طبيعة الأطر الإعلامية التي تم توظيفها خلال أزمة كورونا، والتي وإن كانت تنبع من رغبة في توعية السكان بمخاطر المرض، وحثهم على اتخاذ الإجراءات الحكومية على محمل الجد، لكنها دفعت المواطنين للشعور بالخوف والتحصن أمام الإغلاق وشبح كورونا بمزيد من الاستهلاك للمواد الغذائية والحاجيات الأساسية، خاصة وأن أغلب التصريحات أكدت غياب سقف زمني محدد لتلاشي الكورونا، كما ارتبطت بدعوات الإغلاق الدولي للحدود وما يرتبط بها من انخفاض معدلات الاستيراد وبالتالي ارتفاع الأسعار.

وفي تحليل لكيفية تفاعل المستهلك مع الأطر الإعلامية في الأزمات والمخاطر فإنها تنحصر في مستويين، الأول؛ حيث تقوم فيه الوسائل الإعلامية بإنشاء أطر للمخاطر تخدم أهدافها ثم تعمل على تعزيزها بالمعلومات وتصفيتها وإعادة تكوينها، ولهذا عند اختيار القصة وعرضها، غالبا ما يستخدم الصحافيون استراتيجيات تأطير مثل إطار "يمكن أن تكون أنت"، حيث يخلق هذا الإطار الشعور بالخطر الشخصي لدى المستهلك وتجعله يخصص لهذا الحدث مزيداً من العواطف والمشاعر على رأسها الخوف وعدم الاستقرار؛ وهنا تشير الأبحاث إلى أن الرسائل الإعلامية تميل عادة إلى تسليط الضوء على الآثار السلبية أكثر من الإيجابية.


في المستوى الثاني؛ تخضع ترجمة وتفسير المخاطر لمزيد من عمليات الصقل وإعادة التحليل والتوضيح على المستويين الفردي والاجتماعي، بطرق تكثف أو تخفف من تصورات المخاطر والمخاوف مما يشكل سلوك الأفراد وتوقعاتهم للمخاطر، والذي يعرف بإطار التضخيم الاجتماعي للمخاطر.

وهنا؛ ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية للإعلام في ظل الأزمة الحالية، عليه استخدام أطر إعلامية واعية ومتوازنة، لا تعبث بالأمن النفسي للمواطن، ولا تدعوه في الوقت ذاته للتهاون والاستهتار، كما أن عليه الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك والدفع إلى الاستهلاك الواعي القائم على التدبير والتوازن والبساطة والاكتفاء الذاتي والاستعمال الأمثل للموارد، والسعي لتحقيق منفعة الإنسان وعدم المبالغة والإسراف، وذلك عبر إجراءاتٍ وخططٍ واعية توجه الفرد للطريق الأمثل؛ لتحقيقِ تنمية مستدامة هدفها حفظُ حقوق الأفراد في الحاضر والمستقبل.

وبالتالي، فإن سلوك المستهلك، الذي هو دالة لمقدار الخطر الذي يدركه مقارنة بمستوى الخطر الفعلي، يمكن أن يتأثر بالمعلومات التي تلقاها سواء عبر الإعلام مباشرة أو عبر البيئة الاجتماعية المحيطة به.


الفقرة الثانية: دور الجمعيات في حماية المستهلك


تهتم جمعيات حماية المستهلك بتحسين جودة السلع في ظل أزمة كورونا من خلال مناداتها للجهات المختصة بإعتماد مقاربة تشاركية في وضع المواصفات .كما تطالب جمعيات حماية المستهلك بسن قوانين زجرية تعاقب المخالفين للمواصفات الإلزامية وبوضع رقابة مستمرة, وليست ظرفية, وكذلك تساهم جمعيات حماية المستهلك في نشر الوعي الإستهلاكي والمقصود بالوعي الاستهلاكي هو قدرة المستهلك على الإدراك والتمييز بين عدة عروض وإختيارات هامة أمامه حسب رغبته وحاجته وتناسبا مع دخله.
ولنشر الوعي الاستهلاكي يتعين على جمعية حماية المستهلك ان تركز على صحة المستهلك و بيئته وبموضوع التغذية فتطرح الجمعية ثقافة جماعية عن القيم الغذائية لأنواع مختلفة من الأطعمة ولشرح مواصفات بديلة للأطعمة غالية الثمن .وتقترح تغير بعض عادات الأكل لمنع هدر الطعام والحصول على الأغذية كاملة الفوائد بأسعار اقتصادية وتنبيه المستهلك من خطر تلوث الأغذية .


كما تقوم جمعية حماية المستهلك لنشر الوعي الاستهلاكي بإعلامه بالمبادئ الشرعية والأساسية المتعلقة بالتجارة، وبالوسائل المتوفرة لتثبيت حقوقه وبالنصوص القانونية المتعلقة بحماية المستهلك وإعلامه بحقوقه وواجباته كمستهلك وحقوق وواجبات البائع والمنتج.
كما سعت الجمعيات إلى عقد إتفاقات حمائية للإستهلاك مع ممثلي المهنيين ويقترح البعض إحداث علامة للجودة تمنح للإتفاقات الجماعية للإستهلاك. لتطوير هذا النظام وتفعيله لتحفيز ممثلي المهنين والمستهلكين على المفاوضة الجماعية لتحسين صورة المؤسسات أو المقاولات أمام المستهلكين وأمام الرأي العام لتنشيط نظام المنافسة[5].

وتلجأ الجمعيات إلى إبرام اتفاقيات جماعية تتم بين جمعية أو أكثر ممثلة للمستهلكين من جهة وبين مهني أو عدة مهنيين أو منظمات من جهة ثانية، هذه الحاجة تزداد مع تزايد التكتلات الاقتصادية نظرا لما تكتسبه هذه الاتفاقيات من أهمية ولما تحققه من فوائد كبيرة لكلا الطرفين وخصوصا الطرف الضعيف في المجال الاقتصادي، فالاتفاقيات الجماعية بين جمعيات المستهلكين والمهنيين تكون بمثابة وسيلة لتحقيق المساواة بين الطرفين، كما تمكن المستهلك من الحصول على حقوق ما كان ليحصل عليها منفردا لأنه لا يقوى على مجابهة المهني، لذلك كان لا بد من تكتل المستهلكين وتجمعهم في شكل جمعيات تنوب عنهم في التفاوض مع المهني أو مجموعة من المهنيين بشكل يضمن احترام مصالح كل طرف.

وتبقى الحاجة إلى مثل هذه الاتفاقيات الجماعية أكثر إلحاحا في علاقة المستهلك بالمهني من أجل خلق نوع من التوازن بينهما ولو نسبي في العقود الاستهلاكية، وذلك للحد من الإجحاف والتعسف الذي قد يلحق بالطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية[6]. وبالتالي يتضح على أن هذه الاتفاقيات الجماعية التي تلجأ إليها الجمعيات تلعب دورا فعالا في حماية المستهلك باعتبارها وسيلة يتم اللجوء إليها للحد من الشروط التعسفية التي قد يضمنها المهني في إطار العقود الاستهلاكية المبرمة بينه وبين المستهلك وكذا الحماية من المخاطر المحتملة الوقوع مما يشكل ضمانا أساسيا لحماية المستهلك.

لابد وأن أشير إلى مسألة في غاية من الأهمية سبق و قلت أن الجمعيات تعتبر مؤسسة ضاغطة على كل من المهني و المشرع و نحن نشهد في هذه الأيام الضجة التي آثارها مشروع قانون 20.22 المتعلق بإستعمال شبكات التواصل الإجتماعي و شبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة هناك من سماه بقانون تكميم الأفواه و نظرا لما يحمل هذا المشروع من تراجع في حماية الحقوق والحريات الفردية فقد عبرت الجامعة الوطنية لحماية المستهلك عن رفضها التام جملة وتفيصلا لمشروع قانون المشؤوم رقم 20.22 حيث دعت الحكومة إلى السحب الفوري لهذا المشروع لم فيه ضرب لحقوق المستهلك في بناء أو إبداء رأيه قبل تراجعه عن أي منتوج إستهلاكي.



المبحث الثاني: تدعيات أزمة كوفيد 19 على المستهلك


في الوقت الذي بدأت الحكومة المغربية بإتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية لمواجهة إنتشار فيروس كورونا المستجد. عمل بعض المهنيين في إستغلال الأوضاع الراهنة لتحقيق الربح بشكل غير مشروع.
كما تهافت بعض المستهلكين على شراء كميات كبيرة من السلع خوفا من نفاذها وهذا ما سيشكل ضررا بالمستهلكين ، وعلى الرغم من تأكيد الحكومة على وجود ما يكفي من مؤن لتلبية حاجة المواطن . وعموما لتشخيص واقع وضعية المستهلك إرتايت أولا أن نغوص حول تأثيرات هذه الجائحة على المستهلك(المطلب الأول ) .على أن أقدم في (المطلب الثاني) رؤية إستشرافية حول هذا الموضوع.

المطلب الأول: تأثير فيروس كورونا على المستهلك


تتجلى أهم مظاهر تأثير فيروس كورونا -كومفيد 19- على المستهلك المغربي في الزيادة الغير مبررة في الأسعار والإدخار السري لبعض السلع من أجل بيعها بأثمنة مرتفعة.
فالمستهلك يعتبر حلقة أساسية وعنصر فعال في الإقتصاد وبالتالي فلا محالة من تضرره من هذه الجائحة، لذلك فالثمن أو السعر لمنتوج أو خدمة معينة تعتبر هي شغل الشاغل بالنسبة للمستهلك حيث يجب أن يتلاءم مع قدرته الشرائية.

ولكن في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر منه المملكة المغربية إثر إنتشارفيروس كورونا وإعلان حالة الطوارئ الضحية والمستهلك يعرف إرتفاع صاروخي في أثمنة العديد من منتوجات و السلع من طرف التجار وبالتالي نكون هنا أمام خرق واضح من طرف التجار للمادة 2 من قانون حرية الأسعار والمنافسة حيث نص صراحة على أن أسعار المنتوجات والسلع تحدد بقرار لرئيس الحكومة أو السلطة الحكومية المفوضة من لدنه.




إذا واستنادا إلى هذا المقتضى القانوني فلا يمكن أن يتم رفع الأثمنة دون وجه حق من طرف الأشخاص غير مرخص لهم وإستغلال أزمة وطنية لتحقيق الربح الغير مشروع والإغتناء في وقت يتطلب الأمر تعبئة واسعة من طرف جميع فئات المجتمع التعاون والحيلولة دون إنتشار فيروس كورونا أضف إلى ذلك هناك أفعال فيها خرق واضح للعديد من المقتضيات القانونية التي نظمها وقننها قانون حرية الأسعار والمنافسة ومن بينها إحتكار الأسعار من طرف الكثير من التجار هذا الوضع خلق هلعا واسعا في صفوف المستهلكين والمواطنين مما دفعهم للتوجه نحو الأسواق التجارية و المحلات من أجل إقتناء المنتوجات والسلع الكافية طيلة الحجر الصحي على الرغم من إرتفاع أثمنتها الغير المشروعة من طرف التجار.

إلا أن الفئة المتضررة أكثر هي فئة العاملين في القطاع غير المهيكل الذي كانت له تداعيات على المستهلك وجعل قدرته الشرائية ضعيفة، والآن أصبحنا نتحدث عن عالمين، عالم ما قبل كورونا وعالم ما بعدها والانتقال سيكون إلى نظام عالمي جديد بمواصفات جديدة.

هذه بعض مظاهر تأثير الفيروس عل المستهلك على الرغم من كثرتها من رفع في الأسعار وإستغلال من طرف البنوك وعرقلة السير العادي للأسواق وغيرها من الممارسات التي تزايدت في ظل الوضع الحالي وفيه خرق ملموس وواضح للمواد 4 و 6 و 7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة وسيأتي معنا في الفقرة الثانية للتوضيح أكثر هذه المظاهر المزرية التي يعيشها المستهلك.



المطلب الثاني: رؤية إستشرافية


يعد في الحقيقة المغرب من الدول من بين التي تنبهت لخطورة هذا الوباء فقامت السلطات المختصة بمجموعة من الإجراءات ذات الطابع الاحترازي والوقائي لمواجهة الآثار الوخيمة لهذة الجائحة . ومن أهم الإجراءات التي اتخذتها السلطات المغربية إعلان حالة الطوارئ الصحية وفرض الحجر الصحي على المواطنين وحثهم على عدم مغادرة المنازل إلا لضرورة قصوى، وكل ذلك من أجل توفير الحماية الصحية والسلامة الجسدية للمواطنين وهذه خطوات إيجابية تحتسب للسلطات المعنية .
وعلى إثر إنتشار فيروس كورونا المستجد تأثرة الحركة الإستهلاكية وتغيرت أنماطها في كل المجتمعات بسبب إرتباط الإستهلاك بقطاعات متعددة تضررت جراء الجائحة وتوقفت عجلتها كالنقل بكل فروعه والإنتاج على إختلافه وأيضا عمليات الاستراد والتصدير ومن بين الإقتراحات لحماية المستهلك من الممارسات الغير المشروعة التي ظهرت خلال هذه الجائحة .


▪ فتح جمعية حماية المستهلك لمقرات في مختلف مناطق المغرب، وكذا التوفر على شبابيك احترافية لاستقبال شكايات المستهلكين، أيضا إحداث عناوين إلكترونية لاستقبال مراسلات المواطنين الذين لا يستطيعون الوصول إلى الجمعية أو فروعها.

▪ توفير ما أمكن من دعم مالي ومعنوي للجمعيات نظرا لما تتطلب أدوارهم من موارد مالية مهمة.

▪ على المشرع المغربي إعادة النظر في شروط تأسيس وتمثيل هذه الجمعيات للمستهلك والتخفيف منها خاصة شرط المنفعة العامة الذي يجب على المشرع حذفه نهائيا.

▪ تمكين الجمعيات من حق الاستفادة المساعدة القضائية نظرا للمبالغ المالية التي تتطلبها المحاكم مادام الأمر يتعلق بالدفاع عن مصالح المستهلك

وكل هذا من أجل خلق لنا جمعيات ذا قوة وذا صرامة في مواجهة كل من سولت له نفسه الاعتداء ولو بالقليل على حقوق المستهلك خاصة في الأزمات والفترات العصيبة مثل جائحة فيروس كورونا.

▪ وضع مقاييس جودة عالمية وفق قوانين معينة ، وتعزيز الرقابة على الجودة من خلال فرض معايير الجودة العالمية من مؤسسات عالمية معتمدة، وانشاء دائرة خاصة بذلك.


▪ فتح فرع للمنظمة العالمية للمستهلك ،وإعطائها الاستقلالية، ودورها الايجابي في الرقابة وإصدار النشرات التثقيفية لحماية المستهلك.

▪ تعزيز دور المستهلكين: بفرض تعليم المستهلك من خلال مراحل التعليم المختلفة بالأخص الجامعية، والدبلوم، والثانوية.

▪ محاربة الاحتكار: والذي هو أقصر طريق لحماية المستهلك .
▪ الحق في الاختيار الحر للمنتجات .

أزمة كورونا لها إيجابيات وسلبيات، من إيجابياتها أنها ساهمت في تعزيز ثقة المستهلك المغربي في المنتوج المحلي، بعد أن كان هناك حظر تام لدخول السلع بسبب توقف حركة النقل فكانت فرصة لبروز صناعة محلية ومنتوج يقوم على مواصفات الجودة، ويحمل علامة “صنع في المغرب “، فتوجه المستهلك المغربي صوب هذه الصناعة وأصبح الإقبال عليها كبيرا، وهذا يعتبر بمثابة مصالحة بين المستهلك المغربي والمنتوج المحلي، مما يشجع المصنع المغربي على الإنتاج، لذلك أعتبر هذا التطور ضمن النتائج الإيجابية التي حققتها جائحة كورونا لفائدة الصناعة المغربية، لأن هذه الأخيرة لم تكن تحظى بكل هذه الثقة من قبل المستهلك المحلي، كما حلت مثلا التجارة الالكترونية محل التجارة الكلاسيكية، والتي أصبحت تحظى بثقة المستهلك المغربي الذي كان في السابق يرتاب منها لأنها تتم عن بعد، فاستغنى عن التبضع في المحلات وبشكل مباشر لتفادي الاختلاط مخافة الإصابة بالوباء.


خاتمة


ختاما يمكن القول إن ظهور فيروس كورونا المستجد لم يؤثرعلى الجانب الصحي للمواطن فقط. بل شكل تأثيرا واضحا على الاستهلاك .
لهذا يمكن أن نؤكد من وجه نظر متواضعة على أنه رغم الإجراءات و التدابير المتخذة من أجل حماية المستهلك إلا أنها لم تصل إلى المبتغى المطلوب وتبقى هذه الحماية محدودة بسبب أن أغلب المستهلكين لا يتوفرون على الحد الأدنى من الثقافة الاستهلاكية التي تشكل الحجر الأساس وكذا الشروط الدقيقة الصارمة التي فرضها المشرع المغربي على الجمعيات التي تهدف إلى الدفاع عن مصالح المستهلك ولكل ما تقدم أمام هذه الصعاب .
ولقد أثر فيروس كورونا كوفيد 19 بشكل كبير على المستهلك لم يبقى التوازن الذي كان قائما بين العرض والطلب قبل تفشي الفيروس .مما أدى إلى مخالفة بعض التجار المقتضيات القانونية .
لذا فحماية المستهلك تبقى مهمة وطنية للحفاظ على مقدرات الوطن والمواطن مما يتطلب إيجاد نظام فعال ينظم المؤسسات الرسمية والغير الرسمية بما يكفل قيام كل منها بالدور المنوط لها بما تملكه من الصلاحيات والإمكانيات ما يمكنها من حماية حقوق المستهلك.


[1] - ظهير شريف رقم 1.11.03صادر في 14 من ربيع الأول 1432( 18فبراير2011) ،المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 03جمادى الأولى (07 ابريل 2011 )ص 1072.


[2] - إدريس الفاخوري , حماية المستهلك من الشروط التعسفية .المجلة المغربية للإقتصاد القانون . العدد الثالث . يونيو 2001.


[3] - ظهير شريف رقم 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 (30 يونيو 2014) , المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6276 بتاريخ 26رمضان 1435 ( 24 يونيو 2014), ص6077.


[4] - المادة 2 من قانون 104.12 تنص على أن '' أسعار المنتوجات و الخدمات تحدد بقرار لرئيس الحكومة أو السلطة العمومية المفوضة من لدنه".


[5] - محمد الهيني . إشكاليات تمثيل جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء . مجلة المعيار . عدد 38 . دجنبر 2


[6] - حكيمة بن مشيش : حماية المستهلك بالمغرب بين القواعد العامة والمستجدات، رسالة لنيل دبلوم الماستر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا سنة ،2011-2012ص .78
أحدث أقدم