سياسة التجريم والعقاب في قانون زجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات - دراسة على ضوء مقتضيات ظهير 21 ماي 1974 -


اسم الطالب الباحث : زكرياء حساني
ماستر : العلوم الجنائية و الأمنية
الصنف : رسالة ماستر
العنوان الرسالة : سياسة التجريم والعقاب في قانون زجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات - دراسة على ضوء مقتضيات ظهير 21 ماي 1974 -
سنة المناقشة و القبول : يوليو 2018


تقديم الرسالة : 



تعتبر جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية من الجرائم الأكثر شيوعا في كل بقاع العالم، والأكثر تهديدا للأمن الصحي والإقتصادي والثقافي والسياسي في كل المجتمعات، وهي بإنتشارها السريع وخطورتها المتزايدة أصبحت محط إهتمام من طرف كل الهيئات والمنظمات المحلية والدولية، فتعالت الأصوات الداعية إلى تشديد العقاب في حق مقترفيها عقابا لا يطال حريتهم فحسب، وإنما يمتد إلى متحصلاتهم وعائداتهم من الجرائم.[1]

ويرجع تاريخ إستعمال المخدرات إلى العصور ما قبل التاريخ، فقد كانت تستعمل من طرف بعض الشعوب والقبائل من أجل تغيير المزاج الشخصي والنفسي وجلب السرور والنشاط الجسماني كما أن بعض الشعوب إستعملها كطقوس دينية.

وإتخذت مشكلة المخدرات والمؤثرات العقلية مكانة متقدمة بين مشكلات العالم المعاصر، حيث كانت في الماضي لا تهم سوى عدد محدود من الدول التي تعاني منها، وأصبحت هذه المشكلة في عالمنا اليوم تهدد بأضرارها ومخاطرها البشرية جمعاء والمجتمع الدولي بأسره.[2]

ومن بين الأسباب المؤدية لتعاطي المخدرات، نجد الأصدقاء الذين لا يخفى علينا دورهم في التأثير على إتجاه الفرد نحو تعاطي المخدرات فتجدهم يتعاطون المخدرات في الشوارع والأندية الليلية والرحلات والتجمعات الدورية في بيوت أحد الأصدقاء وسهرات ليالي عطلة نهاية الأسبوع، فلا يجد الشاب اليافع سوى تقبله لتعاطي المخدرات كي يظل مقبولا بينهم، كما أن الأسرة لها دور أساسي في تشكيل سلوك الفرد منذ مرحلة الطفولة، فإدمان الأب أو الأم على المخدرات يؤثر سلبا على سلوك الحدث ويدفعه للإدمان كذلك، كما أن ضعف الوازع الديني يدفع بالشخص إلى تعاطي المخدرات.[3]

وينجم عن الإتصال بالمواد المخدرة آثار صحية متعددة، أهمها السرطان والشلل النصفي أو الكلي الذي قد تحدثه بعض العقاقير المهلوسة، ناهيك عن فقدان الذاكرة أو الموت في بعض الحالات، كما يحدث تعاطي المخدرات مؤثرات شديدة وحساسية زائدة تجاه كل من يعرفهم، فيؤدي بذلك إلى سوء العلاقات، فيحدث الخلافات والمناشبات والمشاجرات،[4] ناهيك عن آثار إقتصادية صرفة متمثلة في فقدان الدولة لرؤوس أموال بشرية قد تساهم في دعم الإقتصاد الوطني وأخرى إجتماعية تتمثل في إنخفاض معدلات الأداء الذي قد يفقد لبعضهم وظائفهم، فتكثر البطالة داخل المجتمع.[5]

وإلزاما من المغرب للدفاع عن نفسه أمام هول هذه الظاهرة الوبائية ووعيا بخطورتها وآثارها المدمرة قام المشرع المغربي بإصدار ترسانات تشريعية متوالية لتنظيم زراعة وتداول المخدرات وحصر إستعمالها في الأغراض الطبية وزجر المخالفين لأحكامها، وقصد الوقوف عند فلسفة المشرع تجاه المخدرات، إرتئينا في تقديمنا هذا التطرق بإيجاز شديد لأبرز المحطات التشريعية في مكافحة المخدرات:

- المحطة الأولى: بتاريخ 9 نونبر 1919، أصدر ظهير لضبط زرع الكيف[6] وإشترط ضرورة الحصول على رخصة، ووجوب تسليم الغلات بأجمعها إلى إدارة صاكا التبغ قبل إنقضاء الأجل المعين لذلك، كما إشترط لنقل زراعة الكيف ضرورة التوفر على إجازة المرور مسلمة له من الإدارة، وإن ضبط أي شخص غير متوفر على الإجازة المذكورة أثناء الطريقة فتعتبر غلة الكيف التي ينقلها كأنها مهربة، وتجري عليه مقتضيات القانون المتعلق بالتهريب، وتعتبر أيضا مهربة أحمال الكيف التي ينقلها صاحبها في مكان لا يجوز له المرور به لعدم ذكره بإجازة المرور.[7]

-المحطة الثانية : بتاريخ 02/12/1922، أصد قانون بضبط إستجلاب المواد السامة والإتجار بها وإمساكها واستعمالها،[8] ورتب هذا الظهير المواد السامة في ثلاث لوائح، اللائحة(أ) تشمل المنتوجات السامة، ولائحة (ب) تشمل المنتوجات المخدرة ولائحة (ج) وتشمل المنتوجات الخطرة، وعاقب على مخالفي مقتضيات هذا الظهير بغرامات يتراوح مبلغها بين 24000 و 270.000 فرنك وبالسجن تتراوح مدته بين 6 أيام وشهرين أو بإحدى هاتين العقوبتين.[9]

- المحطة الثالثة : بتاريخ 24/04/1954، أصدر ظهير يمنع بمقتضاه تداول قنب الكيف وإستعماله والإتجار فيه،[10] ونص في الفصل 5 المعدل بمقتضى ظهير 1974 على عقوبات عند مخالفة هذا الظهير،[11] و قد أتت رغبة المشرع واضحة إذ رغب في سياسته إعتبار نبتة الكيف مخدرا و خول بموجب هذا الظهير تعويضا جزافيا قدره 4000 درهم عن كل كيلو غرام مسلم لمكتب التبغ من المنتجات والمحضرات.

- المحطة الرابعة : بتاريخ 21/05/1974، أصدر ظهير متعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات[12] وألحقت عدة تغييرات بظهير 1922 وظهير 1954 حيث جعل العقوبات الحبسية تصل إلى عشر سنوات والغرام إلى 50.000 درهم في بعض الجرائم الأكثر خطورة والمرتبطة بالمخدرات، كالإستيراد والإنتاج والصنع والنقل وغيرها.[13] وقد كان للمشرع الدولي تأثير كبير في إقرار مضامين فصول هذا الظهير، بحيث نجد أن المشرع المغربي قد راع في سياسته التجريمية والعقابية أثتاء بلورته للنصوص المجرمة للمخدرات، مجموعة من الإتفاقيات الدولية التي صادقت ووقعت عليها المملكة المغربية في فترات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، والتي سنحاول إبرازها لاحقا في بحتنا.

- المحطة الخامسة : بتاريخ 9/10/1977، أصد الظهير المتعلق بمدونة الجمارك[14] المعدل والمتمم بظهير 5/6/2000، هذا القانون يعتبر أحدث قانون بالنسبة للقوانين المتعلقة بالمخدرات، حيث عملت مدونة الجمارك على محاربة المخدرات إجرائيا وعقابا،[15] إذ حددت الأولى في مجموعة من المساطر المتعلقة بالمصادرة في حين حددت العقوبات من سنة إلى ثلاث سنوات بإعتبار المخدرات جنحا جمركية من الدرجة الأولى بعدما كانت تعتبرها جنحا جمركية من الدرجة السادسة مخصصتا لها عقوبات تتراوح بين الشهر الواحد و السنة،[16] ما يوضح سياسة المشرع المغربي الرامية للقضاء على هذه الآفة و الحد منها.

عموما فإن المملكة المغربية إتخدت سياسة واضحة وصارمة من أجل مكافحة أشكال الجرائم المرتبطة بالمخدرات وفق سياسة جنائية[17] منسجمة مع مقتضيات الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها في هذا الشأن، أهمها الإتفاقية الفريدة للمخدرات لسنة 1961،[18] إتفاقية فيينا لسنة 1971للعقاقير المنشطة للذهن[19] وإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988.[20]

وقد إرتأينا تقسيم الموضوع وفق التقسيم الثنائي، نعرض ضمن الفصل الأول الإطار الموضوعي الخاص بالتجريم والعقاب في قانون المخدرات مبرزين من خلاله السياسة العقابية والتجريمية لجرائم المخدرات، وفي الفصل الثاني سنناقش الإطار الإجرائي لجرائم المخدرات، حيث سنستعرض فلسفة المشرع في الشق الإجرائي الذي خص بها قانون المخدرات.




[1] - حسن البكري، "الأحكام العامة للمصادرة في جرائم المخدرات"، ط1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، س.ن 2012، ص 3.
[2] - مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، "الإتجار غير المشروع والمخدرات والمؤثرات العقلية وغسل الأموال"، المنامة - مملكة البحرين، س .ن 2011 ، ص2.
[3] - محمد مرعي صعب، "جرائم المخدرات"، ط1، منشورات زين الحقوقية، بيروت – لبنان، س.ن 2008، ص 43 وما يليها.
[4] - محمد مرعي صعب، "جرائم المخدرات"، م.س، ص 62 وما يليها.
[5] - عبد اللطيف محمود أبو هدمة بشير، "الإتجار غير المشروع في المخدرات ووسائل مكافحته دوليا"، ج1، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، جامعة محمد الخامس، الرباط، س.ج 1990 – 1991، ، ص 239.
[6] - ظهير شريف صادر بتاريخ 05/11/1919 المتعلق بضبط زراعة الكيف، منشور في الجريدة الرسمية، ع 342 بتاريخ 17/11/1919، ص 736.
[7] - خالد كردودي، "سلسلة الأبحاث القانونية"، ط 1، ج1، مطبعة أش إف غرافيك، سلا، س.ن 2005، ص 62.
[8] - ظهير شريف صادر بتاريخ 02/12/1922 في جعل ضابط لإستجلاب المواد السامة والإتجار بها وإمساكها وإستعمالها، المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 16/01/1923، ص 1296.
[9] - خالد كردودي، "سلسلة الأبحاث القانونية"، م.س ، ص 62.
[10] - ظهير شريف صادر بتاريخ 21/04/1954 في منع قنب الكيف، منشور في الجريدة الرسمية ع2167، الصادرة بتاريخ 07/05/1954.
[11] - خالد كردودي، "سلسلة الأبحاث القانونية"، م. س، ص63.
[12] - ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.132.73 صادر في 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات وبتغيير الظهير الشريف الصادر في 02/12/1922 المتعلق باستيراد المواد السامة والإتجار فيها وإمساكها واستعمالها والظهير الصادر في 24/04/1954 بمنع قنب الكيف الصادر في الجريدة الرسمية عدد 3214 بتاريخ 05 يونيو 1974.
[13] - خالد كردودي، "سلسلة الأبحاث القانونية" م.س ، ص 63 وما يليها.
[14] - ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 المتعلق بمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 1977، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 3339 بتاريخ 13/10/1977، صفحة 2982.
[15] - علاقة المخدرات والمواد المخدرة بالنظام الجمركي يكمن في إقرار مدونة الجمارك في فصلها الأول على أن المخدرات تعتبر جنحا جمركية لكون أن الأمر يتعلق ببضاعة خاضعة لنظام التصدير والاستيراد
[16] - خالد كردودي، "سلسلة الأبحاث القانونية" م.س ص 64.
[17] السياسة في اللغة مشتقة من فعل " ساس الأمر" أي دبره، فهي مقابلة للتدبير.
والسياسة تعني من المنظور الحقوقي، تدبير الشأن العام، ووضع التوجيهات لممارسة السلطات في الدولة.
أما السياسة الجنائية، فتعني وضع الاستراتيجية، المستقبلية لمكافحة الإجرام ومعاملـة المجرمين، وذلك عن طريق رسم المبادئ العامة، التي يراعيها المشرع الجنائي في مجـال التجريم والعقاب.
والسياسة الجنائية بهذا المعنى، تدل على رسم التصور الدافع لحماية الفرد والمجتمـع، مع تحديد الأهداف التي يتعين إنجازها لتأمين هذه الحماية، ضمن السياسة العامة للدولة فـي المجالات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، ومع رصد الوسائل الضرورية لبلـوغ هـذه الأهداف بما يناسب التوجيهات السائدة في المجتمع.
-لحسن بيهي، "السياسة الجنائية مفهوم السياسة الجنائية في ضوء المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية" ، مقال منشور بالموقع الرسمي لوزارة العدل، السنة والطبعة غير مدرجة،ص2، أطلع عليه بتاريخ 17 يوليو 2018 على الساعة 17:00
[18] - صادقت عليها المملكة المغربية بمقتضى المرسوم الملكي رقم 236.66 بتاريخ 22 أكتوبر 1966 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2823 بتاريخ 7 دجنبر 1966.
[19] - صادقت عليها المملكة المغربية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.80.140 المؤرخ بتاريخ 17 دجنبر 1980 المنشور بالجريدة الرسمية ع 3590 بتاريخ 19 غشت 1981.
[20] - صادق المغرب على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤشرات العقلية لسنة 1988 بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.92.283 الصادر في 29 يناير 2002، المنشور بالجريدة الرسمية رقم 4999 الصادرة في 29 ابريل 2002.

تحميل الرسالة:

أحدث أقدم