الاختصاص القضائي للنظر في نزاعات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي


يختلف الاختصاص بنظر نزاعات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وفقا للنظام المأخوذ به، سواء كان نظاما موحدا تتولى الوظيفة القضائية جهة قضائية واحدة تقوم وفقا لقواعد قانونية موحدة بالفصل في جميع المنازعات، أو ما ينشأ منها بين الأفراد أو
بين هؤلاء والدولة أو الإدارة،أو نظاما مزدوجا يقوم على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين تتولى إحداها وهي جهة القضاء الإداري الفصل في المنازعات ذات الطبيعة الإدارية وحدها، وذلك وفقا لقواعد قانونية مستقلة كأصل عام عن قواعد القانون المدني، والثانية جهة القضاء العادي إلى حيث تختص بالفصل في المنازعات بين الأفراد وكذلك بالمنازعات التي تثور بينهم وبين الإدارة التي لا يتوفر لها وصف المنازعة الإدارية، وذلك وفقا لقواعد القانون الخاص.
أصبحت المحكمة الإدارية منذ تأسيسها مختصة بالنظر في كل من الدعويين، ومن صلاحيتها إعمال التكييف المناسب بين كل من الدعويين، إذا تجاوزت مسألة الاختصاص واعتبرت أن الدعويين هما من صلاحيتها، أي أن هذه الفرضية تقوم عندما لا يثار مشكل بشأن الاختصاص كأن يكون هناك قرار مجرد عن النص الذي يمنعها من نظره، وإنما تفسرها بصورة واضحة ودقيقة عندما يتعلق الأمر بتطبيق مقتضيات النصوص التشريعية المتعلقة بنظام الضمان الاجتماعي كما وقع تتميمها وتغييرها المادة 71 من ظهير 27 يوليوز 1972. هذه المادة التي كانت تعطي بصفة صريحة للمحاكم الاجتماعية الحق بالنظر في النزاعات المترتبة عن تطبيق مقتضيات الظهير المذكور والنصوص التنظيمية المتخذة لتنفيذيه باستثناء القضايا الجنائية والنزاعات الراجعة بكم نوعها إلى قضاء آخر. وأصبحت في ما بعد المحاكم الابتدائية هي المختصة بمقتضى المادة 20 من ظهير 28 شتنبر 1974 التي جاء فيها :
"تختص المحاكم الابتدائية في القضايا الاجتماعية بالنظر في :
النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل أو التدريب المهني والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل أو التدريب المهني.
التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا للتشريع الجاري به العمل.
النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي».
ولعل التعديل الذي طرأ على المادة 71 السالفة والذي أتى به الظهير الصادر في 4 نوفمبر 2004 بتنفيذ القانون رقم 17.02 لم يأت بأي جديد يذكر، إذ اقتصر على استبدال عبارة المحاكم الاجتماعية التي كانت في النص القديم والتي أصبحت المحاكم الابتدائية في ما بعد بعبارة «المحاكم المختصة» دون تحديد أي منها ودون نسخ وإلغاء مقتضيات المادة 20 من قانون المسطرة المدنية السابقة الذكر الشيء الذي يدفع إلى القول بفرضيتين : إما ترك الحرية للقضاء الإداري والعادي في رسم حدود ولايته واختصاصه الشامل بنفسه استنادا إلى طبيعة وموضوع المنازعة المطروحة عليه، وإما بتسهيل المأمورية على القضاء الإداري وحده بتوسيع اختصاصه بنظر بعض القضايا التي يكون موضوعها قرارات في إطار الإلغاء لها صلة بتطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي كما سنرى في ما بعد.
وسأستعين في تحليلي هذا، الذي سينصب على مجموعة من قرارات الغرفة الإدارية التي استطعت جمعها رغم الوقت القصير الذي أُعْلمْت به من أجل المشاركة في هذه الندوة والتزامات العمل بمنهج إنشاء الأنساق La systématisation أي تحليل الاتجاهات القضائية المتخذة في قضايا الضمان الاجتماعي انطلاقا من مصادر القانون والآراء الفقهية من أجل بناء نسق قانوني متماسك ومنسجم لأنه لا يمكن بطبيعة الحال لأي بحث قانوني أن يستغني عن تقنيات تحليل وتفسير النصوص القانونية للعمل بها.
وإعمالا بهذا المنهج الذي يعتبر أمرا مهما وضروريا للقاضي في عملية تكييف القضايا المطروحة عليه سواء في تحديد الاختصاص الذي يعتبر مسألة أولية قبل الخوض في الدعوى في شكلها وموضوعها، وبقراءة متأنية للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي وبإطلالة على النزاعات المطروحة على المحاكم الإدارية يمكن تصنيف هذه الدعاوى إلى صنفين :
الصنف الأول : دعاوى تتعلق بالمنازعة في استحقاق الواجبات المفروضة على المشغلين تبعا للتصريحات والإقرارات، والقرارات المرتبطة بعملية التأسيس والفرض.
الصنف الثاني : يهم دعاوى المطالبة بالتعويضات المستحقة عن الصندوق لفائدة المنخرطين والقرارات المرتبطة بها.
وسنعمل على تفصيل هذين الصنفين في فرعين لكل واحد منمهما على اعتبار أن كل صنف يتضمن شقين من المنازعات.
الصنف الأول : دعاوى تتعلق بالمنازعة في استحقاق الواجبات المفروضة على المشغلين تبعا للتصريحات والإقرارات، والقرارات المرتبطة بعملية التأسيس والفرض.
الفرع الأول : دعاوى المنازعة في استحقاق الواجبات المفروضة على المشغلين.
في إطار منهج التماثل والمقارنة فإن هذا النوع من المنازعات يماثل المنازعات الضريبية وما يصدق على هذه الأخيرة يصدق عليها على اعتبار أن ظهير 27 يوليوز 1972 والنصوص التنظيمية المتعلقة به تهتم بتنظيم طريقة فرض الواجبات والضرائب كدين عمومي مكلف الصندوق بتأسيسه واستخلاصه تبعا للمادة 28 منه التي تنص على : «... ويباشر الاستخلاص ويجري المتابعات، عند الاقتضاء، كما هو الشأن في الضرائب المباشرة...»
وتبعا للمادة الثانية من قانون 97/15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية التي تنص على أن : « تعتبر ديونا عمومية بمقتضى القانون :
8 – سائر الديون الأخرى لفائدة الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية التي يعهد بقبضها للمحاسبين المكلفين بالتحصيل باستثناء الديون ذات الطابع التجاري.»
والنزاعات المتعلقة بها يمكن أن تكون إما نزاعات في الأساس والفرض وتكون من اختصاص المحاكم الابتدائية طبقا للمادة 71 المعدلة من ظهير 27 يوليوز 1972 والمادة 20 من قانون المسطرة المدنية التي لم يقع نسخها، وهذه النزاعات تتعلق في مجملها بمسألة عدم قانونية فرض الواجبات وتنصب على المطالبة بالإعفاء أو التخفيض منها، وهي منازعة تنتمي في طبيعتها إلى القضاء الشامل أمام القضاء العادي. وقد ارتأى المشرع جعلها بيد القاضي العادي الذي هو القاضي الاجتماعي رغم أن الأمر يتعلق بمؤسسة عمومية كشخص من أشخاص القانون العام، وكان ذلك بنصوص صريحة كما سبق وأن بينا، طالما أن الهدف منها هو حسن سير العدالة وإدارتها وتركها بيد قاض له اختصاص في العلاقة القائمة بين الأجير والمآجر في مسألة اجتماعية محضة Dans l'intérêt d'une bonne administration de la justice. ويقر حقوقا لأطراف العلاقة الاجتماعية.
ذ/ المصطفى الدحاني: المفوض الملكي بالمحكمة الإدارية بالدار البيضاء
أحدث أقدم