تحميل PDF : علاقة قاضي التحقيق بالضابطة القضائية



عرف المغرب في السنين الأخيرة ثورة لإصلاح منظومته التشريعية ، في اتجاه نحو مجاراة التطورات التي عرفها العالم من حوله ، في جميع مناحي الحياة الاقتصادية، والاجتماعية ، والقانونية ، التي فرضها عليه توجهه نحو الانفتاح على العالم الخارجي، وكذا نظام العولمة ،حيث لا مجال للتقوقع ، ولا مناص له من تحيين تشريعاته لمسايرة المستجدات . ومن بين الإصلاحات التي طالت المنظومة التشريعية ، كان هناك قانون المسطرة الجنائية المؤرخ في 10 فبراير 1959 ،المعدل بظهير الإجراءات الانتقالية المؤرخ في 28 شتنبر 1974 ، والذي لم يعذ يساير التوجه العالمي في مجال حقوق الإنسان وحماية الحريات الفردية والجماعية ،إضافة إلى ما كشف عنه التطبيق العالمي من إشكالات أنابت عن قصوره .

كما أن هناك أسبابا أخرى كانت مبعثا ودافعا إلى التفكير في إخراج قانون الجديد للمسطرة الجنائية من بينها :

ضرورة التوفيق بين ما يجب القيام به لمحاربة الجريمة وبين الطرق القانونية الواجب أخذها بعين الاعتبار لاحترام حقوق الإنسان وتكريسا لمبدأ المحاكمة العادلة .
تصاعد وثيرة الجريمة وظهور أشكال جديدة من الجرائم بما عرفه العالم من تطور تكنولوجي ومعلوماتي كبير .

الانتقادات التي يتعرض لها المغرب من طرف المنظمات الحقوقية ، والهيئات غير الحكومية ، وخاصة فيما يتعلق بطريقة تصريف القضايا الجنائية ، وبطئ المساطر وقصور التشريعات .

التراكم الكبير للقضايا الجنائية في أوراق المحاكم ، الشيء الذي جعل التفكير في آليات لتصريفها أمر حتميا، خاصة وأن أغلبها قضايا بسيطة[1]
ونتيجة لهذه الأسباب مجتمعة أو منفردة ، تمت المصادقة على قانون المسطرة الجنائية الجديد رقم 22.01 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 03 أكتوبر 2002 ، والذي شكل طفرة نوعية في مجال التشريعات حيث تضمن العديد من التعديلات التي طالت نصوصا أجمع الفقه والقضاء على تناقضها مع مفهوم المحاكمة العادلة وعلى مساسها الخطير بالحريات وبحقوق الدفاع .

وبدورها فان مقتضيات المنظمة لمؤسسة قاضي التحقيق بخصوص التحقيق الجنائي و كذلك الضابطة القضائية في البحث الجنائي ، قد طالها التعديل لتساير ما سلف ذكره ، خاصة وأن هده المقتضيات والإجراءات هي على تماس مباشر مع حريات الاشخاص وحقوقهم[2].

وطبقا لنص 52 من ق.م.ج يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الابتدائية من بين قضاة المحاكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار وزير العدل ،بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية ، ويعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار وزير العدل وبناء على اقتراح من رئيس الاول لاستئناف.[3] فقاضي التحقيق يعتبر هو الجهة التي أوكل المشرع اليها القيام بالتحقيق الاعدادي من خلال جمع الادلة عن الجرائم والبحث عن مرتكبيها واتخاذ القرارات على ضوئها فان المهام المتعددة التي اسندت اليه جعلته صاحب أدوار مختلفة فهو ضابط شرطة قضائية سامي من حيث جمع الادلة عن الجرائم مباشرة أو بواسطة انابة القضائية ، والوقوف على الجريمة المتلبس بها طبقا للمادة 75 من ق.م.ج التي توجب على الوكيل العام للملك و الوكيل الملك أو ضابط شرطة قضائية التخلي له عن القضية بمجرد حضوره الى مكان وقوع الجريمة المتلبس بها .[4]

أما الشرطة القضائية تعتبر كإحدى الاجهزة التي أوكل اليها المشرع التثبت من الجرائم وجمع الادلة عنها وإيقاف مرتكبيها وهي بذلك أو سلطة تباشر عمليات البحث والتحري والإيقاف وتقوم بأدوار ووظائف تمهيدية تسبق اجراءات المحاكمة والتحقيق الإعدادي[5]

أهمية الموضوع :

ان أهمية موضوع علاقة قاضي التحقيق بالضابطة القضائية تجعلنا نستشف العلاقة القائمة بين مؤسسة قضاء التحقيق كمؤسسة سامية وبين الضابطة القضائية كجهاز تابع للسلطة القضائية ينفذ تعليماتها ويسهر على تطبيقها في أرض الواقع ، فقاضي التحقيق يملك سلطات واسعة فهو سلطة مكلفة بالتحري عن الجرائم إلا أنه لا يمكنه فتح تحقيق الا بناء على ملتمسات النيابة العامة أو شكاية مباشرة مقدمة من طرف المتضرر . مع تنصيبه مطالبا بالحق المدني ، بالإضافة الى ذلك فهو قاض يصدر أوامر وقرارات تكون وجوبا معللة وهي قابلة للطعن بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية كما يقوم بتمحيص الادلة ووسائل الاثبات واعترافات المتهم .[6] كما يقوم بانتداب أحد ضباط الشرطة القضائية للقيام ببعض الاعمال التي تدخل في اطار التحقيق الاعدادي والتي هيا من صلاحيات قاضي التحقيق في المادة 189 من القانون الجنائي.[7]

الاشكاليات المطروحة والتصميم المعتمد :

سنبسط دراستنا هذه حول موضوع علاقة قاضي التحقيق بالضابطة القضائية وما تطرحه من اشكاليات ، تتفرع منها عدة تساؤلات نجملها فيما يلي :

_ ماهي مهام واختصاصات الضابطة القضائية بخصوص البحث الجنائي ؟ كيف يتم انجاز اجراءات البحث التمهيدي ؟ ماهي صلاحيات قاضي التحقيق ؟ ومن هيا الجهة التي تعينه ؟ماهي اجراءات التحقيق الاعدادي ؟ ماهي سلطات قاضي التحقيق المتعلقة بسير وانتهاء التحقيق ماهي العلاقة التي تجمع بين قضاة التحقيق و الضابطة القضائية كيف تقوم الغرفة الجنحية بمراقبة أعمال الضابطة القضائية؟ للاجابة على هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى ثلاثة فصول:


الفصل الاول :مهام وصلاحيات الضابطة القضائية بشأن البحث الجنائي

الفصل الثاني:مهام وصلاحيات قاضي التحقيق بشأن التحقيق الجنائي

الفصل الثالث:علاقة قاضي التحقيق بالضابطة القضائية.

[1] ديباجة قانون المسطرة الجنائية عدد 22.01 والتي تضمن الاسباب التي دفعت المشرع الى اخراج قانون م.ج. الجديد

[2] براهيم بونجرة ” مؤسسة قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية دراسة عملية” , رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء الصفحة 63.

[3] أحداث المشرع مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحاكم الابتدائية وذلك بالنظر للخطورة بعض الجنح التي تصل عقوبتها القصوى الى خمس سنوات .

[4] شرح قانون المسطرة الجنائية – الجزء الاول- الدعوى العمومية ,السلطات المختصة بالتحري عن الجرائم , وزارة العدل , منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية ,سلسلة الشروح ودلائل العدد 2 السنة 2004 ص 217 .

5 أحمد قليش ومجيدة السعدية وسعاد حميدي و محمد زنون , الشرح العلمي لقانون المسطرة الجنائية ص 39

[6] انظر الى بحث طالب براهيم بونجرة ” مؤسسة قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية دراسة عملية” , مرجع سابق الصفحة 41.

[7] المادة 189 من ٌق. م .ج نصت على أنه ” يمكن لقاضي التحقيق أن يطلب بواسطة انابة قضائية من أي قاض أخر للتحقيق أو اي ضابط من ضباط الشرطة القضائية الموجودة في نفس دائرة محكمته , للقيام باجراء ما يراه لازما من أعمال التحقيق في الاماكن الخاضعة لنفوذ كل واحد منهم ويمكن أن يعهد بتنفيذ الانابة القضائية خارج دائرة نفوذ محكمته لاي قاض اخر من قضاة التحقيق أو قضاة الحكم وعلى قاضي المنتدب اشعار النيابة العامة التي تنفذ الانابة في دائرة نفوذها

أحدث أقدم